أهل الْكتاب بل وجود النّسَب الْفَاضِل هُوَ إِلَى تَغْلِيظ كفرهم أقرب مِنْهُ إِلَى تَخْفيف كفرهم فَمن كَانَ أَبوهُ مُسلما وارتد كَانَ كفره أغْلظ من كفر من أسلم هُوَ ثمَّ ارْتَدَّ وَلِهَذَا تنَازع النَّاس فِيمَن ولد على الْفطْرَة إِذا ارْتَدَّ ثمَّ عَاد إِلَى الْإِسْلَام هَل تقبل تَوْبَته على قَوْلَيْنِ هما رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَمن كَانَ أَبوهُ من أهل الْكتاب قبل النّسخ والتبديل ثمَّ إِنَّه لما بعث الله عِيسَى ومحمدا صلى الله عَلَيْهِمَا كفر بهما وَبِمَا جَاءَا بِهِ من عِنْد الله وَاتبع الْكتاب الْمُبدل الْمَنْسُوخ كَانَ كفره من أغْلظ الْكفْر وَلم يكن كفره أخف من كفر من دخل بِنَفسِهِ فِي هَذَا الدّين الْمُبدل وَلَا لَهُ بِمُجَرَّد نسبه حُرْمَة عِنْد الله وَلَا عِنْد رَسُوله وَلَا يَنْفَعهُ دين آبَائِهِ إِذا كَانَ هُوَ مُخَالفا لَهُم فَإِن آباءه كَانُوا إِذْ ذَاك مُسلمين فَإِن دين الله هُوَ الْإِسْلَام فِي كل وَقت فَكل من آمن بكتب الله وَرُسُله فِي كل زمَان فَهُوَ مُسلم وَمن كفر بِشَيْء من كتب الله فَلَيْسَ مُسلما فِي أَي زمَان كَانَ
وَإِذا لم يكن لأَوْلَاد بني إِسْرَائِيل إِذا كفرُوا مزية على أمثالهم من الْكفَّار الَّذين ماثلوهم فِي اتِّبَاع الدّين الْمُبدل الْمَنْسُوخ علم بذلك بطلَان الْفرق بَين الطَّائِفَتَيْنِ وإكرام هَؤُلَاءِ بإقرارهم بالجزية وَحل ذَبَائِحهم وَنِسَائِهِمْ دون هَؤُلَاءِ وَأَنه فرق مُخَالف لأصول الْإِسْلَام وَأَنه لَو كَانَ الْفرق بِالْعَكْسِ كَانَ أولى وَلِهَذَا يوبخ الله بني إِسْرَائِيل على تكذيبهم بِمُحَمد ﷺ مَا لَا يوبخه غَيرهم من أهل الْكتاب لِأَنَّهُ تَعَالَى أنعم على أجدادهم نعما عَظِيمَة فِي الدّين وَالدُّنْيَا فَكَفرُوا نعْمَته وكذبوا رسله وبدلوا كِتَابه وغيروا دينه فَضربت عَلَيْهِم الذلة أَيْنَمَا ثقفوا إِلَّا بِحَبل من الله وحبل من النَّاس وباؤوا بغضب من الله وَضربت عَلَيْهِم المسكنة ذَلِك بِأَنَّهُم كَانُوا يكفرون بآيَات الله وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر الْحق ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون
فهم مَعَ شرف آبَائِهِم وَحقّ دين أجدادهم من أَسْوَأ الْكفَّار عِنْد الله وَهُوَ أَشد غَضبا عَلَيْهِم من غَيرهم لِأَن فِي كفرهم من الاستكبار والحسد والمعاندة وَالْقَسْوَة وكتمان الْعلم وتحريف الْكتاب وتبديل النَّص وَغير ذَلِك مَا لَيْسَ فِي كفر هَؤُلَاءِ فَكيف يَجْعَل لهَؤُلَاء الأرجاس الأنجاس الَّذين هم من أبْغض الْخلق إِلَى الله مزية على سَائِر إخْوَانهمْ الْكفَّار مَعَ أَن كفرهم إِمَّا مماثل لكفر إخْوَانهمْ الْكفَّار وَإِمَّا أغْلظ مِنْهُ إِذْ لَا يُمكن أحدا أَن يَقُول إِن كفر الداخلين أغْلظ من كفر هَؤُلَاءِ مَعَ تماثلهما فِي الدّين بِهَذَا الْكتاب الْمَوْجُود
الْوَجْه السَّادِس أَن تَعْلِيق الشّرف فِي الدّين بِمُجَرَّد النّسَب هُوَ حكم من أَحْكَام الْجَاهِلِيَّة الَّذين اتبعتهم عَلَيْهِ الرافضة وأشباههم من أهل الْجَهْل فَإِن الله تَعَالَى قَالَ ﴿يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم﴾ وَقَالَ النَّبِي ﷺ
لَا فضل لعربي على عجمي وَلَا لعجمي على عَرَبِيّ وَلَا لأسود على
2 / 22