كَاذِب مفتر عَلَيْهِ وَإِن كَانَ المكلم من آحَاد الْعَامَّة وَلَو كَانَ الْمُتَكَلّم من المتنبئين الْكَذَّابين فَإِن عرف كذبه إِذا تكلم بِكَلَام وَعرف مُرَاده بِهِ لم يجز أَن يكذب عَلَيْهِ فَيُقَال أَرَادَ كَذَا وَكَذَا فَإِن الْكَذِب حرَام قَبِيح على كل أحد سَوَاء كَانَ صَادِقا أَو كَاذِبًا فيكف بِمن يُفَسر مُرَاد الله وَرَسُوله بِمَا يعلم كل من خبر حَاله علما ضَرُورِيًّا أَنه لم يرد ذَلِك بل يعلم علما ضَرُورِيًّا أَنه أَرَادَ الْعُمُوم فَإِن قَوْله تَعَالَى ﴿وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا﴾ صِيغَة عَامَّة وَصِيغَة من الشّرطِيَّة من أبلغ صِيغ الْعُمُوم كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره﴾
ثمَّ إِن سِيَاق الْكَلَام يدل على أَنه أَرَادَ أهل الْكتاب وَغَيرهم فَإِن هَذَا فِي سُورَة آل عمرَان فِي أثْنَاء مخاطبته لأهل الْكتاب ومناظرته لِلنَّصَارَى فَإِنَّهَا نزلت لما قدم على النَّبِي ﷺ وَفد نَجْرَان النَّصَارَى وروى أَنهم كَانُوا سِتِّينَ رَاكِبًا وَفِيهِمْ السَّيِّد والأيهم وَالْعَاقِب وقصتهم مَشْهُورَة مَعْرُوفَة كَمَا تقدم ذكرهَا
وَقد قَالَ قبل هَذَا الْكَلَام يذم دين النَّصَارَى الَّذين ابتدعوه وغيروا بِهِ دين الْمَسِيح ولبسوا الْحق الَّذِي بعث بِهِ الْمَسِيح بِالْبَاطِلِ الَّذِي ابتدعوه حَتَّى صَار دينهم مركبا من حق وباطل وَاخْتَلَطَ أَحدهمَا بِالْآخرِ فَلَا يكَاد يُوجد مَعَه من يعرف مَا نسخه الْمَسِيح من شَرِيعَة التَّوْرَاة مِمَّا أقره والمسيح قرر أَكثر شرع التَّوْرَاة وَغير الْمَعْنى وَعَامة النَّصَارَى لَا يميزون مَا قَرَّرَهُ مِمَّا غَيره فَلَا يعرف دين الْمَسِيح
قَالَ تَعَالَى ﴿مَا كَانَ لبشر أَن يؤتيه الله الْكتاب وَالْحكم والنبوة ثمَّ يَقُول للنَّاس كونُوا عبادا لي من دون الله وَلَكِن كونُوا ربانيين بِمَا كُنْتُم تعلمُونَ الْكتاب وَبِمَا كُنْتُم تدرسون وَلَا يَأْمُركُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَة والنبيين أَرْبَابًا أيأمركم بالْكفْر بعد إِذْ أَنْتُم مُسلمُونَ﴾
فقد بَين أَن من اتخذ الْمَلَائِكَة والنبيين أَرْبَابًا فَهُوَ كَافِر فَمن اتخذ من دونهم أَرْبَابًا كَانَ أولى بالْكفْر وَقد ذكر أَن النَّصَارَى اتَّخذُوا من هُوَ دونهم أَرْبَابًا بقوله تَعَالَى ﴿اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله والمسيح ابْن مَرْيَم وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَه إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يشركُونَ﴾
ثمَّ قَالَ تَعَالَى فِي سُورَة آل عمرَان ﴿وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه قَالَ أأقررتم وأخذتم على ذَلِكُم إصري قَالُوا أقررنا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنا مَعكُمْ من الشَّاهِدين﴾
1 / 333