87

بل إن ذلك الحب الذي يكنه أبو زيد ويحفظه في قلبه قد تضاعف قبل مجيئهم مباشرة إلى تونس، تلك التي تركه الآن بها قابعا مع أخويه داخل أغوار سجونها الموحشة مسهدا متيما بحب عزيزة. - مسكين يونس ولدي!

تضاعف حب الخال أبي زيد ليونس منذ أن اقتحمه وتوصل إليه بخلوته في وادي الحجاز عقب لقائه المأساوي بالأميرة العالية بنت جابر بجمالها وحضورها الآسر، فأحبها من فوره رغم أنه قاتل شقيقيها في أحد غزواته ومعاركه، ثم كيف تصرف يونس بحكمة ماهرة إلى أن نال مشتهاه بزواجه بالعالية.

إلا أن فرحته هو ذاته - أبو زيد - بالزواج من العالية لم تكتمل حين فضل طائعا الإسراع بالخروج في هذه المهمة، التي ويا للأسف يعود منها وحده بعدما خلف رفاقه الأمراء الثلاثة مودعين سجون تونس لحين عودته بفديتهم!

غمغم أبو زيد ساخرا لنفسه وهو يضرب بنعليه حواري ومتاهات ذلك النجع الذي ترك به حصانه وبقية مهامه ولوازمه لدى أحد عيون الهلاليين لحين عودته. - نرجع بجيوش الهلالية حالا يا علام.

حتى إذا ما استرد حصانه ومضى ليلته بوادي الرشراش ودع مريديه بحرارته المعهودة وامتطى حصانه مع الغسق مطلقا العنان إلى نجد المرية، يسابق ريح الصباح المعبقة بعطر تونس وتخومها.

كانت مهمة فارس بني هلال أكثر وحشة ووعورة مع العودة عنها مع المجيء إلى هذه الديار؛ نظرا بالطبع إلى وحدته من دون رفاقه، ونظرا أيضا لأن عليه الإلمام بكل الدقة لكل جديد أو تغيير طرأ على البلدان والأقوام التي ستمر بها - فيما بعد - الهجرة الهلالية يتقدمها جيشها الحامي الفاتح.

ففي مصر العدية وجد الأمور كما هي مع حاكم صعيدها الماضي «ابن مقرب» حليف الهلالية الوفي؛ نظرا إلى إخلاصه وثباته على محالفتهم.

لكن المشكلة قد تطول بهم - أي الهلاليين - في دمشق وفلسطين لتصبح أقل كثيرا في بلاد السرو وعبادة - الأردن اليوم - وحلب الشهباء ووادي الرافدين عامة.

كان عليه الإلمام المستفيض بمجريات أمور وصراعات هذه الأقوام المتاخمة.

وكان لأبي زيد الهلالي طرقه الخاصة لحشود الأحداث والمعلومات التي عليه اختزانها بشكل يحقق فائدتها عند الحاجة دون كثير عناء ودون الاعتماد فقط على الذاكرة، خاصة إذا ما تطلب الأمر تحقيقها على الخرائب ومسالك الطرق وكيفية عبورها برا أو بحرا أو حتى الاضطرار إلى تحقيقها وشقها في حالة عدم وجودها.

Página desconocida