[المتوكل]
قال الوافد: صف لي المتوكل الواثق بربه ؟
قال العالم: عجبا لمن يثق بالمخلوق ولا يثق بالخالق، ومن يهتم بالرزق وقد ضمن به الرازق، ثق بكفاية الله واعتمد عليه، ورد أمورك وأحوالك كلها إليه، من لم يثق بضمان مولاه، وكله إلى خدمة دنياه، إن الله تعالى يقول : { وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها} [هود: 6]. ما أعجب أمرك! تأمن ما دهيت، وتحزن على ما كفيت، ولا تشكر على ما أعطيت.
إلى كم تأسى على المفقود ؟! وقد ضمن الرزق الملك المعبود، إلى كم الحزن على القوت ؟! وقد ضمن القوت الحي الذي لا يموت، الرزق مقسوم، وطالبه مغموم، والحريص فيه مهموم، ومن جعل بطاعة الله اشتغاله، كفاه الله في الدارين أشغاله، من وكل أموره إلى مولاه، لم يكله إلى أحد سواه، وأغناه وكفاه، وأعطاه وآواه، ومن اعتصم بالله وقاه، ومن استعاذ به أنجاه، ومن أمل إفضاله، لم يحرمه نواله، ومن توكل على الوهاب، لم يخضع لأبناء التراب، من عرف الله بالصدق، ساق إليه الرزق، من أيقن أن الله هو المتفضل، لم يكن إلى غيره متوسل، من علم أن الله هو الجواد، سخا بما في يده وجاد، من عرف أن الله هو المعطي، لم يعصه أبدا ولا يخطي، ( من عرف أن الله هو الجواد، لم يطلب من غيره المراد، من تيقن أن الله خالق العباد ومالك البلاد، لم يعلق بغيره الفؤاد ).
أتظن أن من غذاك في الصغر ؟ ينساك في الكبر! الذي رفع عنك المؤنة وأنت طفل، يأتيك برزقك وأنت كهل ، الذي رزقك وأنت مغيب جنين، كيف لا يرزقك وأنت تضرع وتستكين ؟! هو سبحانه يرزق من جحده، فكيف يضيع من وحده ؟! يرزق الدودة في الصخرة الصماء والطير في الأوكار، والحيتان في البحار، والوحوش في القفار، فكيف يضيع من يذكره في الليل والنهار، ويسبحه بالعشي والإبكار، ويرزق الجنة والناس، إلى انقطاع الأنفاس، عجبا لمن يرفع حوائجه إلى المخلوقين !!
Página 326