قال العالم: مثل عمله كمثل الصوف المندوف، تراه عظيما كثيرا، فإذا وزنته وجدته قليلا، كذلك الغافل الجاهل المتواني، يسر بكثرة عدد أعماله، وليس يعرف إخلاصها، وهو يصلي ويصوم ويزكي ويحج، ويذكر ويعبد ولا نور لعلمه ولا تزكية، ولا إخلاص في قلبه، وكيف ينال البركة والنور وهو غافل ساه ؟! إن قام في الصلاة قام فيها بجسده، وغفل عنها بقلبه، وإن صام تكلم بالرفث والغيبة والكذب، وإن زكى ماله كانت زكاته كأنها مغرم يخرجها لا تطيب بها نفسه، وهو مع ذلك رافع رأسه، شامخ بأنفه، متطاول على الناس، يتمنى على ربه الدرجات العلا، وليس معه من الدين قطمير، ولا معه سكينة تمنعه من كثير ما يهوى، ولا له قوة يكظم بها غيظه، ولا حلم يحجزه، ولا ورع يكفه ( ويرده، ولا له إصابة في كثير مما يدخل عليه من الشبهات )، ثم إذا حركته وجدته قليل العقل، أعمى القلب، متزينا في نفسه، متصنعا للناس، يرآئي بأعماله وهو لا يعلم، ( وهو متكبر في عبادته، ويعلو على الناس وهو ) يزعم أنه مخلص، ويزعم أنه متواضع، ثم تراه حريصا راغبا، مكبا على الدنيا، وهو يزعم أنه مأجور على ذلك، قد ارتفع بعمله فوق الخلائق من عجبه به، وربما تراه يتكلم بكلام الخائفين، حتى إذا جربته وحدثته وجدته جاهلا غافلا، فلا يرضى من الخوف بأن يذم نفسه، وربما يعتبر ويتفكر ولا ينفعه ذلك، لأن ذلك لا ينفعه مع غفلته، ولعله يظن أنه من التوابين منذ دهر طويل، ولعل عنده من الروايات والأخبار ما ليس عند أحد من الناس، ثم ليس هو يعرف من عمله إلا الشبهة والكدرة، والزيادة والنقصان، ولا يميز بين شيء من ذلك ، فإنه لو جمع فهمه ونظر إلى نفسه، لعرف خطاياه، ثم لو نظر في مطعمه وملبسه وكسبه وحرصه على دنياه لعرف سوء حاله، ولو حفظ على نفسه سعي بدنه وجوارحه، وكثرة ما يخرج من لسانه، لتبين له ما يرد عليه في يوم واحد، ولعلم جراحة دينه، ثم لو كان صادقا في توكله وانقطاعه إلى ربه، لترك دنياه وعمل لآخرته، ولكان حريصا على طلب الخير، ولحذر على نفسه من سوء الحساب وكثرة الأهوال.
Página 325