فسألته بجرأة: أيحتمل أن يكون كاذبا؟
فصمت مليا ثم قال: إنه لا يكذب أبدا. - إذن فهو صوت حقيقي!
فبدا مترددا ومشفقا، ولكنه قال: ربما كان حلما ما سمع!
فقلت بنبرة تسليم واعتراف: أبي، إني مؤمنة بالإله الواحد!
فتغير لونه وهتف: حذار يا نفرتيتي، احتفظي بسرك في قلبك حتى أقتلعه منه!
ودعينا كما تعلم للمشاركة في حفل عيد الجلوس. وقالت لنا تي: يجب أن يراكما أنبل شباب مصر وأنتما في أجمل زينة.
غير أنني كنت متلهفة على رؤية شخص واحد؛ ذلك الذي هداني إلى نور الحقيقة. وفي البهو العظيم رأيت أفرادا قدر لي أن أخوض معهم بحر الحياة بحلوه ومره، مثل حور محب وناخت وبك وماي وغيرهم، ولكن قلبي لم ير في الواقع إلا مولاي. وأعترف لك بأن منظره صدمني صدمة غير متوقعة. تصورته تمثالا من نور، ولكني وجدته نحيلا متهافتا مخيبا للأحلام. وأفقت من هزيمتي العابرة بسرعة، تجاوزت المنظر المثير للرثاء إلى الروح الكامنة فيه، التي اختصها الإله بحبه ورسالته، وأعلنت لها فيما بيني وبين نفسي الولاء إلى الأبد. كان يجلس إلى يمين أبيه يتابع الرقص والغناء بعين فاترة. ولم تتحول عنه عيناي، ولعل كثيرين لاحظوا ذلك وفسروه بحسب أهوائهم، ثم أعادوا تفسيره على ضوء الحوادث التالية. ولن أنسى ما قالته لي موت نجمت فيما بعد وهي تعاني لدغة الغيرة: لقد حددت لك هدفا ونلته!
وتمنيت أن ينظر نحوي. وقد فعل. ألقى إلينا نظرة عابرة، فالتقت عينانا لأول مرة. وهم بأن يمضي بنظرته الملولة، ولكنه توقف فيما يشبه الدهشة. وكأنه بهر، أو تساءل عمن تكون تلك الفتاة التي تحدق فيه بنهم. وحانت مني التفاتة إلى الملكة العظمى تيى، فوجدتها تنظر نحوي كذلك، فاضطرب فؤادي أيما اضطراب، وحلقت أحلامي في آفاق بعيدة، ولكنها لم تقترب في هيمانها من الواقع الذي جاءت به الأحداث. ورجعنا إلى قصرنا وصدورنا تجيش بآمال غامضة، وموت نجمت غارقة في كآبتها. ولما خلت إلي في غرفتي قالت بانفعال: توكد ظني!
فسألتها عما تعني، فقالت: إنه مريض ومجنون!
فعرفت بالبداهة من تعني، فقلت: لقد رأيت مظهره، ولكنك لم تخبري قلبه.
Página desconocida