La genialidad del Imán Alí
عبقرية الإمام علي
Géneros
وهم مع هذا لم يؤثروا بالولايات كلها، ولم يؤثروا بالذي خصهم منها ليستغلوه ويجمعوا الثراء من غنائمه وأرزاقه ... بل كانوا يحاسبون على ما في أيديهم أعسر حساب، وكانوا لتضييقه عليهم في المراقبة يتركون ولاياتهم ويستقيلون منها، كما فعل ابن عباس حين هجر البصرة إلى مكة ...
وقد بلغ من حسابه للولاة أنه كان يحاسبهم على حضور الولائم التي لا يجمل بهم حضورها ... فكتب إلى عثمان بن حنيف الأنصاري عامله على البصرة: «أما بعد يا ابن حنيف، فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة ... فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان وتنقل إليك الجفان ... وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم ... فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه.»
واستكثر على شريح قاضيه أن يبني دارا بثمانين دينارا، وهو يرزق خمسمائة درهم ... وحاسب على أقل من هذا من هو أقل من شريح أمانة في القضاء، وحرجا في الدين ...
فلو أن الإمام اختص أقرباءه بالولايات التي يحاسبون عليها هذا الحساب ، لما كان في اختصاصه إياهم مستبيح حق، ولا مستبيح مال ... فكيف وهو لا يختصهم إلا بالقليل منها، ولا يختصهم وله مندوحة عنهم، أو يختصهم وهم دون غيرهم في القدرة والأمانة؟
فالمقارنة هنا مقارنة أشكال وحروف، وكل ما توحي إلى الناقد بها أنه يذكر الأقرباء هنا والأقرباء هناك ...
وقد انقسمت طريق الخلافة، وطريق الدولة الدنيوية في كل أمر من الأمور على عهد الإمام، ولم تنقسم في مسألة الولاة أو مسألة الاستغلال وكفى.
وأكبر ما يذكر من انقسام الطريقين في عهده قيام الفكرة العالمية إلى جانب العصبية بالقبيلة أو بالوحدة الوطنية ...
فالدولة الدنيوية تشد أزرها بالعصبية الجنسية، والخلافة الدينية تشد أزرها بالإخاء بين الشعوب، وبطلان الفوارق بين الأجناس ...
وقد كانت القبيلة من أنصار الإمام، تقاتل القبيلة من أنصار معاوية في سبيل الرأي والعقيدة ...
وكان أنصار الإمام أبدا من الفرس والمغاربة والمصريين أكثر من أنصاره بين قريش خاصة، وبين بني هاشم على الأخص، وبين قبائل العرب على التعميم ...
Página desconocida