La genialidad del Imán Alí
عبقرية الإمام علي
Géneros
ومن وصاياه في تحصيل الخراج والصدقات: «... امض إليهم بالسكينة والوقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم، ولا تخدج بالتحية لهم، ثم تقول: عباد الله، أرسلني إليكم ولي الله وخليفته لآخذ منكم حق الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم حق فتؤدوه إلى وليه؟ ... فإن قال قائل: لا، فلا تراجعه ... وإن أنعم لك منعم، فانطلق معه من غير أن تخيفه وتتوعده أو تعسفه أو ترهقه، فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضة، فإن كان له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلا بإذنه، فإن أكثرها له ... فإذا أتيتها فلا تدخل عليها دخول متسلط عليه ولا عنيف به ... ولا تنفرن بهيمة ولا تفزعها، ولا تسوءن صاحبها فيها، وأصدع المال صدعين، ثم خيره فإذا اختار فلا تعرضن لما اختاره، فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء حق الله في ماله ... فاقبض حق الله منه، فإن استقالك فأقله ...»
وكان دستوره في تحصيل الضرائب المفروضة على الناس، أن النظر في عمارة الأرض أبلغ من النظر في استجلاب الضريبة، فكان يكتب إلى واليه: «تفقد أمر الخراج بما يصلح أهله ... فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم، ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم ... لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله، وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج؛ لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن جلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلا، وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها، وإنما يعوز أهلها إسراف الولاة على الجمع، وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر ...»
أما دستوره في الولاة والعمال، فخلاصته ما كتب به إلى الأشتر النخعي يقول له: «انظر في أمور عمالك، فاستعملهم اختبارا ولا تولهم محاباة وأثرة ... فإنهم جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام، فإنهم أكثر أخلاقا وأصح أعراضا، وأقل في المطامع إسرافا، وأبلغ في عواقب الأمور نظرا ... ثم أسبغ عليهم الأرزاق فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك، ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والعيون عليهم ... فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية.»
وعلى هذه العناية باستطلاع أحوال الولاة والعمال، كان ينهى أشد النهي عن كشف معائب الناس، أو كما كان يقول في وصية ولاته: «وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم عندك أطلبهم لمعائب الناس ... فإن في الناس عيوبا، الوالي أحق من سترها ... فلا تكشفن عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك.»
وكان ينهى عن بطانة السوء مع حثه على اتخاذ العيون والجواسيس، فقال في وصيته لمحمد بن أبي بكر: «لا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جبانا يضعفك عن الأمور، ولا حريصا يزين لك الشره بالجور ... فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله ... إن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا، ومن شركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة، فإنهم أعوان الأثمة وإخوان الظلمة، وأنت واجد منهم خير الخلف، ممن له مثل آرائهم ونفاذهم ... وليس عليه مثل آصارهم وأوزارهم» ...
ولم ينكر قط شيئا من سياسة التولية، ثم صنع مثله في عهده، على كثرة الإغراء حوله باصطناع التقية والمداراة والهوادة قليلا مع الأقرباء وذوي الأخطار ...
ومن زعم غير ذلك، من ناقديه في عصره أو بعد عصره، فإنما هو آخذ في المقارنة بالأشكال والحروف دون البواطن والغايات ...
إذ كان مما قيل مثلا: إن عليا أقام عبد الله بن عباس على البصرة، وعبيد الله بن عباس على اليمن، ومحمد بن أبي بكر ابن زوجته على مصر ... وهم أقرباؤه وخاصة أهله، فهو إذن يصنع ما أنكره على حكومة عثمان من إيثار الأقرباء بالولايات، وإقصاء الآخرين عنها ...
ولكنها كما قلنا مقارنة بالأشكال والحروف دون البواطن والغايات؛ لأن المقارنة الصحيحة بين العملين تسفر عن فارق بعيد كالفارق بين النقيض والنقيض ...
فبنو هاشم لم يكن لهم متسع لعمل أو ولاية في غير حكومة الإمام، ولم يكن للإمام معتمد على غيرهم بعد أن حاربته قريش، وشاعت الفرقة والشغب بين أعوانه من أبناء الأمصار ...
Página desconocida