فضحك ددف بدوره وقال: أنت رجل يا نافا، ولكنك رقيق النفس حساس الوجدان، ألا تذكر أن خنى قال مرة: إن الفنانين جنس بين الرجال والنساء؟
فقال نافا: إن خنى يعتقد أن الفن يقتضي إعارة من الأنوثة، ولكني أعتقد أن وجدانية المرأة تناقض وجدانية الفنان في الغاية؛ لأن المرأة بطبعها نفعية، تتوخى ما يحقق غايتها الحيوية على أكمل الوجوه، أما الفنان فلا غاية له إلا استكناه ذوات الأشياء، وهذا هو الجمال؛ لأن الجمال هو استجلاء ذات الشيء الذي يجعل منه ومن بقية المخلوقات وحدة ذات انسجام ...
فضحك ددف وقال: أتظن أنك بتفلسفك هذا قادر على إقناعي بأنك رجل؟
فحدجه نافا بنظرة تحد وقال: أما تزال محتاجا إلى دليل؟ ... إذن فاعلم أني سأتزوج.
فبدت الدهشة على وجه ددف وسأله: أحقا ما تقول؟
فأغرق نافا في الضحك وقال: أيبلغ بك إنكار الزواج علي؟ - كلا يا نافا ... ولكني أذكر أنك أغضبت والدنا عليك لزهدك في الزواج.
فوضع نافا يده على قلبه، وقد تبدت على وجهه آيات الجد وقال: أحببت يا ددف ... أحببت بغتة!
فتجمع وجدان ددف في انتباه واحد وسأله في لهفة : بغتة؟! - نعم، كنت كالطائر الذي يحلق في السماء آمنا، وما يشعر إلا وسهم يستقر في قلبه فيهوي! - متى وأين؟ - ددف، إذا قيل حب فلا تسل عن الزمان والمكان! - من هي؟
فقال بإجلال كأنه ينطق باسم إيزيس: ماتا ابنة كامادي المفتش بوزارة المالية. - وماذا أنت فاعل؟ - سأتزوج منها.
فقال ددف بصوت الحالم: أهكذا تتغير الأمور؟ - وبأسرع من هذا، سهم وأصاب، فماذا يصنع الطائر؟
Página desconocida