حقا إن الحب شيء عظيم، عرف ددف الفن والحكمة والسيف. أما الحب فهذا لغز جديد. وكيف لا يكون لغزا وقد فعل في ساعة ما عجز عنه بشارو في سنين! وأحس بوجدانه يفور وروحه تهيم في وديان بعيدة الآفاق.
أما نافا فقد استطرد يقول: ويشاء الحظ السعيد أن أوفق في حياتي الفنية؛ فقد دعاني السيد فاني إلى زخرفة بهو استقباله، وغدوت تثمن بعض صوري بعشر قطع من الذهب فآبى أن أبيعها. انظر إلى هذه الصورة الصغيرة!
فحول ددف وجهه الهائم إلى حيث يشير أخوه، فرأى صورة صغيرة تمثل فلاحة صبية على شاطئ النيل عند الغروب، وقد خضب الشفق أفق السماء، وكأنه ارتاع لجمال الصورة التي جذبته من وديان الأحلام، فدلف إليها حتى صار منها على بعد ذراع، وشاهد نافا إعجابه فسر سرورا لا مزيد عليه، وقال: ألا ترى أنها صورة غنية بالألوان والظلال؟ انظر إلى النيل والأفق!
فقال ددف بصوت الحالم: بل دعني أنظر إلى الفلاحة.
وكان نافا يتأمل صورته فقال: إن الريشة تخلد مشية النيل ذات الإجلال.
فقال ددف بلا اكتراث لما يقول الفنان: يا للأرباب ... إنه جسم لدن ... له استقامة الرمح. - انظر إلى الحقول وإلى الزرع المائل، علام يدل ميله؟
فقال ددف وكأنه لا يسمع ما يقول صاحبه: ما أجمل الوجه الخمري البدري! - إنه يدل على ريح الجنوب. - ما أجمل العينين السوداوين ... إن لهما نظرة إلهية. - ليست الفلاحة كل شيء في الصورة، انظر إلى الشفق فالآلهة وحدها تعلم كم أجهدني في تصويره وتلوينه.
فنظر ددف إليه وقال بحماس جنوني: إنها حياة يا نافا. إني أكاد أسمع غمغمتها ... كيف تعيش معها يا نافا تحت سقف واحد؟
ففرك يديه حبورا وقال: رفضت في سبيلها عشر قطع من الذهب الخالص. - لن تباع هذه الصورة أبدا. - ولمه؟ - هي صورتي ولو دفعت لها حياتي!
فضحك نافا وقال: واها يا سن السابعة عشرة! إنك نار تضطرم ... ولهب يندلع. إنك تبثين الحياة والأنوثة في الأحجار والمياه والألوان. إنك لتعشقين الأوهام والأخيلة، وتخالين الأحلام حقائق واقعة ... وتصلين ابنك عذاب الجحيم! ...
Página desconocida