سار ددف في شارع سنفرو الذي لا ينقطع تيار المارين به، يلفت الأنظار ببذلته الحربية البيضاء، وجسمه الفارع، وجماله الجاهر، حتى انتهى به المسير إلى مدخل بيت «نافا بن بشارو - إجازة معهد خوفو للرسم والتصوير» وقرأ اللافتة باهتمام كأنما يراها للمرة الأولى، وقد ارتسمت على فمه الجميل ابتسامة حلوة مشرقة، ثم اجتاز الباب، وفي الداخل رأى أخاه مكبا على عمله غير شاعر بما حوله، فصاح به ضاحكا: السلام عليك أيها المصور العظيم.
فالتفت إليه نافا بوجهه الحالم الدهش، فلما عرف القادم، قام واقفا وأقبل عليه مرحبا وهو يقول: ددف ... يا للحظ السعيد! كيف حالك يا رجل؟ هل زرت البيت؟
وتعانق الأخوان مليا، وقال ددف وهو يجلس إلى كرسي قدمه إليه الفنان: نعم زرته، ثم أتيت إليك رأسا؛ فأنت تعلم أن بيتك هذا جنتي المختارة!
فضحك نافا بصوته العالي وطفح وجهه بالسرور، وقال: ما أسعدني بك يا ددف! وإن كنت أعجب كيف تهوي نفس ضابط مثلك إلى هذا الرسم الهادئ الحالم الجميل! أين هو يا ددف من ميدان القتال وقلاع بوسيريس وبريمس!
فقال ددف: لا تعجب يا نافا فأنا جندي حقا، ولكن حببت إلي الفن الجميل كما بث في خنى حب الحكمة والمعرفة.
فرفع نافا حاجبيه إعجابا وقال: لكأنك ولي عهد المملكة! ألا ترى أنهم يهيئونه للعرش بتعليمه الحكمة والفن والحرب؟ وإنها لسياسة سامية جعلت من ملوك مصر آلهة، وستجعل منك قائدا عديم النظير ...
فتصاعد الدم إلى وجه ددف وقال مبتسما: أنت يا نافا - كأمي - لا تراني حتى تنعتني بسجايا الخير جميعا.
فضحك نافا ضحكا عاليا متواصلا، واسترسل في الضحك حتى أشفى على التهلكة وأثار دهشة ددف.
فسأله: ما لك؟ ما الذي يضحكك هكذا؟
فرد عليه الشاب وهو ما يزال يضحك: إني أضحك يا ددف؛ لأنك شبهتني بأمك. - وماذا يضحك في هذا؟ ... إني أعني ... - لا تكلف نفسك مشقة الشرح أو الاعتذار؛ فإني أعلم بما تعني، ولكن المسألة أن هذه هي المرة الثالثة التي أشبه فيها اليوم بامرأة؛ فقال لي والدي صباح اليوم واجدا: «أنت كالفتاة سريع التقلب.» وقال لي الكاهن شلبا منذ ساعة، وكان يحدثني في شأن صورة له: «أنت يا سيد نافا يتغلب عليك الوجدان كالنساء.» وها أنت ذا تقول إني كأمك! فهل يا ترى رجل أنا أم امرأة؟
Página desconocida