وكان بشارو صيادا ماهرا ... وكان صيده أضعاف صيد ابنيه معا، وكان يحدج ددف بنظرة متعالية ويقول بصوته الأجش: ألا ترى أيها الجندي كيف يحكم أبوك الرماية؟ لا تعجب؛ فقد كان والدك ضابطا في جيش الملك سنفرو، وكانت قوته كافية لتشتيت قبيلة من الهمج بغير قتال.
وكانت رحلات الصيد تنطوي في متعة وفرح ورياضة لا نظير لها في الأيام الأخرى، ولكن لم يهدأ بال بشارو حتى اصطحبه معه إلى زيارة الأهرام، وكان غرضه الأول من الزيارة أن يطلعه على نفوذه وسلطانه، ويريه استقبال الجند والموظفين له.
ودعاه نافا لزيارة معرضه وأطلعه على صوره ذات الألوان ورسوماته الجميلة، وكان الشاب ما يزال يعمل جاهدا بلا طائل على رجاء أن يدعى يوما للاشتراك في عمل فني له قيمته في أحد قصور الأغنياء أو الهواة، أو أن يشتري أحد الزوار بعض معروضاته ... وكان ددف يحب نافا، فأحب آثاره وأعجب خاصة بالصورة التي رسمها له في بذلته الحربية البيضاء، فجاءت آية على ملامحه ونظرة عينيه.
وكان نافا في ذلك الوقت يرسم صورة للمعمار الخالد ميرابو الذي صنع أكبر معجزة فنية في الوجود.
وقد قال لددف وهو يريه الرسم التخطيطي للصورة: لم أبذل من قبل في صورة نصف ما بذلت في هذه، ذلك أن بطلها ينزل من نفسي منزلة الآلهة.
فسأله ددف: هل ترسمها من الذاكرة يا أخي؟
فقال: نعم يا ددف؛ لأني لا أرى الفنان الأعظم إلا في الأعياد والحفلات الرسمية التي يظهر فيها ركاب فرعون، ولكنها تكفي لحفر صورته في قلبي وعقلي!
واستدار العام وذهب ددف مرة أخرى إلى المدرسة، ودارت عجلة الزمان ... وتقدمت حياة أسرة بشارو في طريقها المقدر؛ الأب إلى الشيخوخة، والأم إلى الكهولة، وخنى إلى التفقه في الدين، ونافا إلى إتقان فنه الجميل.
وأوسع ددف خطاه نحو التفوق والنبوغ وإتقان الفنون الحربية، فاكتسب شهرة في المدرسة الحربية لم يفز بها تلميذ من قبل.
15
Página desconocida