ثم ذكر النقود التي يريدها فهاله الأمر، ماذا لو عجز حسن عن أن يمد له يد المعونة؟ وشعر بإصبع باردة تقبض على قلبه وتوشك أن تعصف بآماله، واهتدى أخيرا إلى عطفة جندف، وأخذ يرتقي أرضها القذرة، باحثا عن البيت رقم 17 حتى انتهى إليه، ورأى غير بعيد بائع بطاطة جالسا القرفصاء على الأرض أمام عربته، فسأله مشيرا إلى البيت: هل يقيم هنا حسن أفندي كامل؟
فسأله الرجل بدوره: تعني حسن الروسي؟
فقال حسنين بدهشة: حسن كامل علي المغني؟
فقال الرجل: هذا بيت حسن الروسي الذي يعمل بقهوة علي صبري بدرب طياب.
وأغضى حسنين في حياء منزعجا انزعاجا فظيعا، ثم لم يعد يشك في أنه حيال بيت أخيه، وقد توكد ذلك بذكرى علي صبري، ولكنه لم يتصور أنه يعمل بهذا الدرب الذي فرقع اسمه في أذنه كالقنبلة، وهذا اللقب: الروسي ما معناه؟ ودخل البيت وكأنه يفر، فزكمته رائحة بئر السلم النتنة وارتقى السلم الحلزوني، وهو يشعر بأنه يهبط إلى هاوية ما لها من قرار، وطرق الباب فجاءه صوت امرأة يصيح في ابتذال: «من؟» ثم فتح الباب عن امرأة قصيرة بدينة عميقة السمرة تنطق سحنتها بجمال وقح، حدجته بنظرة نافذة وسألته: ماذا تريد؟
فقال حسنين بصوت منخفض من الاضطراب: حسن كامل. - من أنت؟ - أخوه.
فانبسطت أسارير المرأة وتنحت جانبا وهي تقول: سي حسين؟
فتمتم في ذهول: حسنين!
ودخل في تهيب وحياء؛ من تكون هذه المرأة؟ وكيف عرفت أسماءهم؟ هل تزوج حسن؟ وشعر بقشعريرة باردة؛ أيمكن أن يقال عن هذه المرأة إنها زوجة أخيه؟ وإن أمه حماتها؟! وتمنى من أعماق قلبه أن تكون مجرد رفيقة، ومضت المرأة إلى باب في نهاية الدهليز ونقرت عليه ففتح بعد قليل وظهر حسن على العتبة، وكأنه شعر بوجوده فاتجه بصره إليه ثم هتف بدهشة وسرور: حسنين.
وهرع نحوه وشد على يده بترحيب وشوق، وقبل أن يتكلم أحدهما تسلل من الحجرة نفر من الرجال متتابعين، ألقوا على حسنين نظرة عابرة، وقال بعضهم مخاطبا حسن: سنسافر عصر اليوم إلى السويس بإذن الله، وتلحق بنا غدا.
Página desconocida