القرآن وتكلمت به العرب على عهد النبي ﷺ عربية أخرى عن كلامنا هذا. وقد زعم بعضهم أن كلام العرب كان باقيًا على نجره الأول وعلى سنخ طبعه الأقدم إلى زمان بني أمية ثم دخله الخلل فاختل منه أشياء، ولذلك قال أبو عمروا حين أنشد قول امرىء القيس:
نطعنهم سُلكى ومخلوجَةً ... كرَّكَ لأمين على نابل
ذهب من يحسن هذا الكلام. وأخبرني أبو عمرو عن أبي الحسن العباس عمن ذكره أن أبا عمرو أنشد قول الحارث بن حلزة:
زعموا أن كل من ضرب العَيـ ... ـرَ مُوالٍ لنا وأنَّا الولاء
فقال: ذهب من يحسن هذا الكلام. قلت: ولهذا صار العلماء لا يحتجون بشعر المحدثين، ولا يستشهدون به كبشار بن برد، والحسن بن هانئ، ودعبل العتَّابي، وأحزابهم من فصحاء الشعراء والمتقدمين في صنعة الشعر ونجره.
وإنما يرجعون في الاستشهاد إلى شعراء الجاهلية وإلى المخضرمين منهم، وإلى الطبقة الثالثة التي أدركت المخضرمين، وذلك لعلمهم بما دخل الكلام في الزمان المتأخر من الخلل والاستحالة عن رسمه الأول، فمن لم يقف على هذه الأسباب ثم قاس ما جمعه من تلاد الكلام الأول، واعتبره بما وجد عليه كلام الأنشاء المتأخرين عيَّ بشيء كثير من الكلام وأنكره، وأما من تبحر في كلام العرب، وعرف أساليبه الواسعة، ووقف على مذاهبه القديمة فإنه
1 / 46