وكذلك قوله سبحانه: " لأخذنا من باليمين "، لأنها أقوى اليدين، وأكثر استخدامًا. وقوله سبحانه: " ثم لقطعنا منه الوتين ". اختصه دون العروق، لأنه إذا انقطع مات الإنسان. وسئل الأصمعي عن قول الخنساء:
يذكرني طلوعُ الشمس صخرًا ... وأندبه لكلِّ غروبِ شمسِ
لم خصت طلوع الشمس وغروبها دون أثناء النهار؛ فقال: لأن وقت الطلوع وقت الركوب إلى الغارات، ووقت الغروب وقت قري الضيفان؛ فذكرته في هذين الوقتين، مدحًا له لأنه كان يغير على أعدائه، ويقري أضيافه.
وذكر الصولي في قول أبي نواس:
ألا فاسقني خمرإن وقل لي: هي الخمرُ ... ولا تسقني سرًا إذا أمكن الجهرُ
قال: إن المعنى في قوله: وقل لي: هي الخمر. إنها لعزتها عنده ومحبته لها أراد أن يلتذ بها بحواسه الخمس التي هي طرق اللذات، وهي: الشم، والذوق، واللمس، والبصر، والسمع. فلما شرب القدح أبصرها وذاقها ومسها وشمهإن فبقي أن يسمعها، فقال: وقل لي هي الخمر.
ومنه قول المتنبي:
لو مرَّ يركضُ في سطور كتابه ... أحصى بحافر مُهره ميماتها
إنما قصد الميمات دون حروف المعجم لأنها تشبه الحافر والشيء يحسن بما يوافقه كما لا يحسن بما يخالفه فصار هذا أبلغ والعين تشبه الحافر بدليل قوله:
أولَ حرفٍ من اسمه كتبت ... سنابكُ الخيلِ في الجلاميدِ
والميمات في الكلام أكثر من العينات؛ لأنها تقع زائدة وأصلية، والعينات لا تقع إلا أصلية، فإحصاؤه للأكثر أبلغ.
1 / 57