بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
باب
أجناس التجنيس
اعلم أن التجنيس ثمانية أجناس، فمنها التجنيس المغاير، وهو أن تكون الكلمتان اسمًا وفعلا مثل قوله تعالى حكاية عن بلقيس: " وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين "، وقوله ﷿: " فأقم وجهك للدين القيم " وقوله تعالى: " يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصار "، وقوله سبحانه: " قال: إني لعملكم من القالين "، وقوله تعالى حكاية عن يعقوب: " يا أسفا على يوسف "، وقوله تعالى: " ثم كلي من كل الثمرات "، وقوله ﷻ: " أزفت الآزفة "، و" إني وجهت وجهي "، وقال ذو الرمة:
كأنَ البرى والعاجَ عيجتْ متونهُ ... على عشرٍ نهى به السيلَ أبطحُ
1 / 12
وقال جرير:
كأنكَ لم تسرْ ببلادِ نجدٍ ... ولمْ تنظرُ بناظرةَ الخياما
وقال بعض العرب في صفة فوارس: إنها لخيل تختار، وحضر في مجلس الرشيد طيب فيه ند غير طيب الرائحة، فقال الرشيد: هذا ند عن الند. وتظلم رجل إلى المأمون من عامله، فقال: ما ترك فضة إلا فضها ولا ذهبا إلا أذهبه، ولا بزًا إلا بزه، ولا علقًا مضنة إلا علقه ولا غلة إلا غلهإن ولا فرسًا إلا افترسه، ولا عارية إلا عارهإن ولا خلعة إلا خلعهإن ولا وديعة إلا ودعهإن ولا ضيعة إلا ضيعهإن ولا عقارًا إلا عقره، ولا سبدًا إلا استبد به، ولا لبدًا إلا
1 / 13
لبد عليه، ولا جليلًا إلا أجله، ولا دقيقًا إلا دقه، ولا مالًا إلا مال عليه، ولا غنيمة إلا غنمها ولا حالة إلا أحالها فهل من معد بما يكتب إليه، ومنه:
ربَ خودٍ عرفتُ في عرفاتِ ... سلبتني بحسنها حسناتي
ورمتْ بالجمارِ جمرةَ قلبي ... أيُ قلبٍ يقوى على الجمراتِ
حرمتْ حين أحرمتْ نومَ عيني ... واستباحتِ جمايَ باللحظاتِ
وأفاضتْ مع الحجيجِ، ففاضتْ ... من دموعي سوابقُ العبراتِ
لم أنلْ من منى منى النفسِ، حتى ... خفتُ بالخيفِ أن تكونَ وفاتي
باب التجنيس المماثل
اعلم أن التجنيس المماثل هو أن تكون كلمتان اسمين أو فعلين، كما قال الله ﷿: " فروح، وريحان وجنة نعيم "، وقال ﷿: " وجني الجنتين دان "؛ وقال النبي ﷺ: " الظلم ظلمات يوم القيامة "؛ وقال ﵊: " ذو الوجهين لا يكون وجيهًا يوم القيامة "، وقال بعض الوزراء: ليكن كلامك حاجة أو حجة، وإلا خسرت. وكتب بعض الأدباء إلى الرشيد: أحسن لنا في النظر، كما أحسنا في الإنتظار؛ وسئل الشافعي ﵁ عن النبيذ فقال: أجمع أهل الحرمين على تحريمه. ووصفه بعض العرب
1 / 14
سحابًا فقال: عارض عريض، كان عنه روض أريض وقال البحتري:
يذكرنيكِ والذكرى عناءٌ ... مشابهُ فيك طيبةُ الشكولِ
نسيمُ الروض في ريحٍ شمالٍ ... وصوبُ المزن في راحٍ شمولِ
وقال آخر: إن لفلان وجهًا وجيهًا. وقال الشاعر:
في وجهه شافعٌ يمحو إساءته ... من القلوبِ وجيهٌ حيثما شفعا
وقال بعض الظرفاء: أنا ألتذ بشهد المشاهدة لك. وقال معاوية لابن عباس: ما بالكم يا بني هاشم تصابون في أبصاركم، فقال: عوضًا من المصيبة يا بني أمية في بصائركم. وقال بعضهم:
وكنتَ لي مألفًا إذا نفرٌ ... من بعضِ إخوانِ ودهمْ نفروا
فأخذ منه الآخر فقال:
بجانبِ الكرخِ من بغداد عنَ لنا ... ظبيٌ ينفره عن وصلنا نفرُ
ذؤابتاهُ نجادا سيفِ مقلتهِ ... وجفنه جفنه والشفرةُ الشفرُ
1 / 15
ظفيرتاهُ على قتلي تظافرتا ... يا من رأى شاعرًا أودى به الشعرُ
ومنه:
يجدُ الملتفَ من أموالهِ ... واقعًا منهُ وقوعَ المستفادِ
غيرُ لاهٍ باللهى بل عالمٌ ... أن بذلَ الوفرِ من خيرِ عتادِ
ومنه:
عربٌ تراهم أعجمينَ عن القرى ... متنزلينَ عن الضيوفِ النزلِ
فأقمتُ بين الأزدِ غيرَ مزودٍ ... ورحلتُ عن خولانَ غير مخولِ
ولجرير:
وما زالَ معقولًا عقالق عن الندى ... وما زالَ محبوسًا عنِ الخيرِ حابسُ
ومنه:
إذا أعطشتكَ أكفُ اللئام ... كفتكَ القناعةُ شبعًا وريا
فكنْ رجلًا رجله في الثرى ... وهامةُ همته في الثريا
أبيًا بوجهك عن باخلٍ ... بما في يديه تراه أبيا
فإنَ إراقةَ ماءِ الحيا ... ةِ دونَ إراقةِ ماءِ المحيا
1 / 16
ومنه:
يا غزالًا إذا نظرْ ... وقضيبًا إذا خطرْ
والذي أشعرَ القلو ... بَ غرامًا وما شعرْ
حرتُ لما أحارني ... ما بعينيكَ من حورْ
وتغيرتَ إذْ ملك ... تَ، فخفْ سطوة الغيرْ
باب تجنيس التصحيف
اعلم أن تجنيس التصحيف، هو إن تكون النقط فرقًا بين الكلمتين، كما قال أبو دؤاد الإيادي:
وردتُ بعيهامةِ جسرةٍ ... فعنتْ سمالًا وهبت شمالا
وكما قال أبو تمام:
السيفُ أصدقُ أنباءً من الكتبِ ... في حدهِ الحدُ بينَ الجد واللعبِ
وكما قال البحتري:
ولم يكن المغترُ باللهِ إذ سرى ... ليعجزَ، والمعتزُ باللهِ طالبه
1 / 17
وكما قال الأفوه الأودي:
حتى حنا مني قناةَ المطا ... وقنعَ الرأسَ بشيبٍ خلس
وكتب بعض الأدباء إلى أخيه: أنا شاك وأنت سال.
ومنه لابن قيس الرقيات:
رجعوا منكَ لائمينَ وكلٌ ... راحَ من عندكم حزينًا حريبا
ومنه قول الخنساء:
دل على معروفه وجههُ ... بورك هذا هاديًا من دليلْ
ويلُ أمهِ، مسعرَ حربٍ إذا ... راحَ لحربٍ، وعليه الشليلْ
وقال قيس بن الخطيم:
تركنا بعاثإً يومَ ذلكَ منهمُ ... وسلمى على رغمٍ شباعًا سباعها
1 / 18
ومنه قول الراعي:
يبدو لعينيك مران ونجوتها ... مني مكامن بينَ الحفر والخفر
ومنه قول الآخر:
أحبك يا جنانُ وأنتِ مني ... مكانُ الروحِ من بدنِ الجبانِ
ولو أني أقولُ: مكانُ روحي ... لخفتُ عليك بادرةَ الزمانِ
لإقدامي إذا ما الخيلُ جالتْ ... وهابَ حماتها حر الطعانِ
ومنه:
كم الضيمُ تحت رواقِ الخمولِ ... أما يأنفُ الأدبُ الخاملُ
ولو أدركَ المجدُ بين البيوتِ ... لما أصحر الأسدُ الباسلُ
يقولُ الصديقُ ويصغي العدوُ ... وخيرُ من القائلِ القابلُ
ومنه لمهيار:
يا منزلًا لعبَ الزمانُ به ... وبكى الحمامُ به كما غنى
كنا نعوجُ مسلمينَ بهِ ... فاليومَ سلمنا وما عجنا
إن زارَ داركَ عن مراقبة ... حيإه وإن هو لم يزر حنا
ومنه للبحتري:
1 / 19
رفعتْ من السجفِ الخفي، وسلمت ... بأناملٍ فيهنَ ورسُ خضابِ
وتعجبتْ من لوعتي، وتبسمتْ ... عن واضحاتٍ، لم يذقن، عذابِ
لو تسعفين، وما سألتُ مشقةً ... لعدلتِ حرَ جوىً ببردِ رضابِ
أما لو أن العذر يجمل بالفتى ... لسلوت عنك وفي بعض شبابي
ولئن شكوت ظماي إنك للتي ... قدمًا جعلت من السراب شرابي
باب تجنيس التحريف
اعلم أن تجنيس التحريف، هو إن يكون الشكل فرقًا بين الكلمتين.
مثل قوله:
أحبابنا ما بين فر ... قتكم وبين الموت فرقُ
جازيتمونا في بعا ... دكمُ بما لا نستحقُ
أفنيتمُ العبراتِ فابقوا ... وملكتمُ رقي فرقوا
ومما نسب إلى الأمير الأجل سديد الدولة:
أمضى من البيض الرقا ... قِ لواحظُ البيض الرقاقِ
ونواهدُ السمر الدقا ... قِ نوافذُ السمر الدقاقِ
1 / 20
هذانِ في يوم اللقا ... هذانِ في يومِ التلاقِ
أحبابنإن لي فيكمُ ... روحٌ يساقُ إلى السياقِ
رفقًا بها إنْ كنتمو ... ممن يرى حق الرفاقِ
وقال آخر:
أأنتمْ زعمتم أنني غيرُ عاشقِ ... وأني لا أعبا ببينِ مفارقِ
فلمْ قرحتْ يومَ الوداع مدامعي ... ولمْ شابَ من يومِ الفراق مفارقي
وقال بعض العرب وهو صدقة بن عامر وقد مت والده: اللهم إني مسلم مسلم.
ومنه قول القاضي أبي سعيد:
قلبٌ وقلبٌ في يدي ... كَ معذبٌ ومنعمُ
ظمآنُ يطلبُ قطرةً ... تشفي صداهُ ومفعمُ
ومنه للبحتري:
سقمٌ دون أعينٍ ذاتِ سقمٍ ... وعذابٌ منَ الثنايا العذابِ
ومنه:
لئن سلمني اللهُ ... وبالصنعِ تولاني
وأوطاني أوطاني، ... وأعطاني أعطاني
وأخلى درعي الدهرُ ... وخلاني خلاني
1 / 21
فلا عدت إلى الغربة ... ما كرّ الجديدان
وإن عدتَ لها يومًا ... فسجاني سجاني
وللموتْ الوحى الأح ... مرِ القانئِ ألقاني
باب تجنيس التصريف
اعلم أن تجنيس التصريف، هو إن تنفرد كل كلمة من الكلمتين عن الأخرى بحرف، مثل قوله تعالى: " ليكونن أهدى من إحدى الأمم "، ومثل قوله تعالى: " وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا "، وقوله تعالى: " ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون "، وقوله تعالى: " وهم ينهون عنه وينأون عنه ". وقال النبي ﷺ: " الخيل معقود بنواصيها الخير ".
وقال الأعشى:
رأيتُ أنَّ الشيبَ جا ... نبه البشاشةُ والبشارة
وقال آخر:
للهِ ما صنعتْ بنا ... تلكَ المحاجر في المعاجرِ
أمضى وأرهفُ في القلو ... بِ من الخناجرِ في الحناجرِ
1 / 22
ولقد تعبتُ ببينها ... تعبُ المهاجرِ في الهواجرِ
وكتب بعض الأدباء جوابًا إلى آخر عن كتاب: وصل كتابك فتناولته باليمين، ووضعته مكان العقد الثمين.
ومنه:
من كل ساجي الطرف أغيد أجيد ... ومهفهف الكشحين أحوى أحور
ومنه لكثير عزة:
وإني لأستهوي السحائبَ نحوها ... من المنزلِ الأدنى؛ فتسري وتسرعُ
ومنه للشريف الرضي ﵀:
لا يذكر الرملُ إلا حنَّ مغترب ... له بذي الرملِ أوطارٌ وأوطانُ
إذا تلفتُّ في أطلالها ابتدرتْ ... للقلبِ وللعينِ أمواهٌ ونيرانُ
ومنه له:
سلامٌ على الأطلالِ لا عن جنابةٍ ... ولكنَّ يأسًا حين لم يبقَ مطمعُ
نظرتُ الكثيبَ الأيمنَ الفردَ نظرة ... فردت إليَّ الطرفَ يدمى ويدمعُ
ومنه:
وكم مظهرٍ بغضًا لنا ودَّ أنهُ ... إذا ما التقينا كان أخفى الذي أبدى
1 / 23
مطاعيمُ في اللأوا مظاعينُ في الوغى ... شمائلنا تبدو وأيماننا تندى
ومنه أيضًا:
كلُّ شيءٍ أقوى عليهِ ولكنْ ... ليسَ لي بالفراقِ منكِ يدانِ
عذلاني على هواهُ، فلما ... أبصرا حسنَ وجههِ عذراني
ومنه أيضًا:
لا تقابلْ زيارتي بازورارٍ ... ومجاجًا عسلتهُ بأجاجِ
لو أزرت الحراب نحريَ ظلمًا ... لارتشفنَ الثناءَ من أوداجي
ومنه لابن بابك:
أقبلتُ في شرفِ اللباس فأبلسوا ... نظر البغاثِ إلى انقضاضِ الجارحِ
فأخذتَ عفوَ تقيتي وتحيتي ... وملكتَ ودَّ جوانحي وجوارحي
وأنا ابنُ بابك لا ابنُ بابك؛ فارتجع ... ما ابتزَّ، أو عوضْ فلستُ ببارحِ
وفيه له أيضًا:
تكشفتْ عن مغانيه مغانمه ... وصرحتْ عن معاليهِ معانيهِ
فما تقاصر باعٌ أنتَ باسطهُ ... ولا يهدمُ مجدٌ أنتَ بانيهِ
1 / 24
ومنه للشريف الرضي ﵀:
لولا تذكرُ أيامي بذي سلمٍ ... وعند رامةَ أوطاري وأوطاني
لما قدحتُ بنار الشوقِ في كبدي ... ولا بللتُ بماء الدمعِ أجفاني
ومنه لابن بابك أيضًا:
يجودُ، ويستقاد؛ فراحتاهُ ... مطارحُ للأماني والأمانِ
يهزّ السيفَ هزَّ الغصن طورًا ... ويلوي الرمح ليَّ الخيزرانِ
ويسطو تارةً وينيلُ أخرى ... وتلكَ سجيةُ الملك الهجانِ
وكتب كافي الكفاة إلى صديق له: أنت أدام الله تعالى عزك، وإن طويت عنا خبرك، وجعلت وطنك وطرك، فأخبارك تأتينا كما وشى بالمسك رياه، ودل على الصبح محياه.
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ﵇: كل شيء يعز حين ينزر، والعلم يعز حين يغزر.
وقال بعض الفصحاء في كتابه: راش سهامه بالعقوق. ولوى ماله عن الحقوق.
وقال بعضهم:
كفاه مخلفةٌ ومتلفةٌ ... وعطاؤهُ متخرقٌ جزلُ
1 / 25
وغيره لبعضهم:
عفاءً على هذا الزمانِ. فإنهُ ... زمانُ عقوقٍ لا زمانُ حقوقِ
فكلُّ رفيقٍ فيهِ غيرُ موافقٍ ... وكلُّ صديقٍ فيه غيرُ صدوقِ
ومنه:
يا علم العالمِ في الجودِ ... مثلكَ جودًا غيرُ موجودِ
بيضتَ من وجه الندى بالندى ... ما اسودَّ من أيامهِ السودِ
بينَ مطيع لك، أصفدته ... وبين عاصٍ لك مصفودِ
ومنه:
إذا ما جئتَ أحمدَ مستميحًا ... فلا يغررك منظرهُ الأنيقُ
له عرفَ وليس لديه عرفٌ ... كبارقةٍ تروق ولا تريقُ
فما يخشى العدوُّ لهُ وعيدًا ... كما بالوعدِ لا يثقُ الصديقُ
باب تجنيس الترجيع
اعلم أن باب تجنيس الترجيع هو إن ترجع الكلمة بذاتها، كما قال الله ﷿: " ولقد أرسلنا رسلنا "، وقال ﷿: " إن ربهم بهم يومئذ لخبير "، وقال ﷻ: " ولكنا كنا مرسلين ".
وكما قال بعض العرب:
وما منعتْ دارٌ، ولا عزَّ أهلها ... من الناسِ إلا بالقنا والقنابل
1 / 26
وللمخبل:
فأتتْ عليه، وما له من ماله ... مما أفاد ولا أفادَ عتاقُ
وأبو دؤاد الإيادي قبل امرئ القيس بزمان وهو راويته، وقد جاء في شعره تجنيس التركيب والترجيع والتصحيف والتحريف، والله العالم هل قصد هذا قصدإن أم أتى طبعًا.
وقال آخر:
عذيريَ من دهرٍ موارٍ مواربٍ ... له حسناتٌ كلهنَّ ذنوبُ
ولأبي تمام:
يجول بإيمان عواصٍ عواصمِ ... تصولُ بأسيافٍ قواضٍ قواضبِ
وقال آخر:
آفةُ السرّ من جفو ... نٍ دوامٍ دوامعِ
كيف يخفى مع الدمو ... عِ الهوامي الهوامعِ
ولابن عين زربى:
أقولُ وقد جدَّ الفراق، وأزمع ال ... فريقُ، وأشجاني طوارٍ طوارقُ
وغربانُ وشكِ البين ينعقن غدوةً ... أأنتم نواعي أنفسٍ أم نواعقُ
1 / 27
فقد صار هذا البين للفقد آيةً ... فلا عجب إلاّ إذا عاش عاشقُ
ومنه قول النابغة الجعدي:
ومن بعد أنسٍ قد تبدل وحشةً ... وزال بهم صرفُ النوى والنوائب
ومنه قول البحتري:
نسجَ الربيعُ بربعها ديباجةً ... من جوهرِ الأنوارِ والأنواءِ
بكتِ السماءُ بها رذاذ دموعها ... فغدتْ تبسمُ عن نجوم سماءِ
ومنه له:
فيا لكَ من حزمٍ وعزمٍ طواهما ... حديدُ الردى تحتَ الصفا والصفائح
ومنه أيضًا:
في كفه قلمٌ يسقي الخطوب به ... مثل الحسامِ بكفّ الفارسِ البطلِ
ترى المنى والمنايا عنه صادرةً ... إن فاضَ في أملٍ أو غاضَ في أجلِ
ومنه قول العطوي:
فلقدْ كفنَ في ... أكفانهِ المجد المجدد
ومنه له:
كأنك قوت الناس لا يجدون من ... تحمل ما تأتي به أبدًا بدا
ومنه: هو الحيا والحياةُ والملك ال ... أعز ولا ثروةٌ ولا ولدُ
ومنه له:
ذيلُ الصبا في الغيِّ مجرورُ ... والعمرُ باللذاتِ معمورُ
وله:
وليلةُ الهيكلِ قد أنفدت ... فيها دنانٌ ودنانيرُ
على خصورٍ أرهفتْ دقةً ... ففي الزنانيرِ زنابيرُ
1 / 28
وله:
ما هذه الألف التي زدتم ... سميتمُ الخوان بالإخوان
ما صحّ لي أحد فأجعله أخًا ... في الله محضًا لا ولا الشيطان
أما مولٍ عن ودادي ما له ... وجه وأما من له وجهان
ومنه:
قربتَ، فلم أرجُ اللقاءَ، ولا أرى ... لنا حيلةً يدنيكَ منا احتيالها
فأصبحتَ كالشمسِ المنير: ضوؤها ... قريبُ، ولكن أينَ منكَ منالها
ومنه للبحتري:
لئن صدفت عنا فربتَ أنفسٍ ... صوادٍ إلى تلك الخدود الصوادفِ
ومنه:
وإذا ظمئتَ فعنده ... شربٌ من الإنصافِ صافِ
ومنه:
معينُ عرفٍ وعرفانٍ وقلَّ فتىً ... في عصرهِ عنده عرفٌ وعرفانُ
إذا تيممه العافي فكوكبهُ ... سعدٌ، ومرعاهُ في واديه سعدانُ
ومنه لأبي فراس الحمداني:
إن زرتُ خرشنةً أسيرًا ... فلقد أحطتُّ بها مغيرا
ولقدْ رأيتُ السبيَ يج ... لبُ نحونا حوا وحورا
وقال بعض الفصحاء في رقعة استدعاء: ما جعلت المماطر إلا لليوم الماطر.
1 / 29
ومنه:
وإذا هويتَ فقد تعبدكَ الهوى ... فاخضع لإلفكَ كائنًا منْ كانا
إن الهوانَ هو الهوى نقص اسمه ... فإذا هويتَ فقد لقيتَ هوانا
ومثله:
وسألتها بإشارةٍ عن حالها ... وعليَّ فيها للوشاةِ عيون
فتنفستْ صعدإن وقالت: ما الهوى ... إلا هوانٌ زالَ عنهُ النون
ومثله:
نون الهوانِ منَ الهوى مسروقةٌ ... وحليفُ كل هوىً حليفُ هوان
ومثله:
أبى الحبُّ إلا أن تكونَ معذبًا ... ونيرانهُ في القلبِ إلاَّ تلهبا
فواكبدي حتى متى أنا واقفٌ ... ببابِ الهوى ألقى الهوانَ وأنصبا
ومثله لآخر:
إنَّ الهوى لهوَ الهوانُ بعينه ... فاخضعْ إذا يومًا علقتَ حبيبا
باب تجنيس العكس
اعلم أن تجنيس العكس هو إن تكون الكلمة عكس الأخرى، كما قال الله سبحانه حكاية عن هارون ﵇: " إن خشيت إن تقول: فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي "، وقال عبد الله بن رواحة الأنصاري ﵀ يمدح النبي صلة الله عليه وسلم وهو أمدح بيت قالته العرب:
1 / 30
تحمله الناقةُ الأدماءُ معتجرًا ... بالبردِ كالبدرِ جلى نورهُ الظلما
فقوله: بالبرد عكس قوله: كالبدر.
وقيل لبنت الخس، وهي أفصح نساء العرب: ما يحمل المرأة على الزنا؟ فقالت: طول السواد، وقرب الوساد.
وقال بعض الأدباء في سجعه: الساخر خاسر، والكامل مالك، والمحمود ممدوح.
وقال أبو تمام:
بيض الصفائحِ لا سودُ الصحائفِ في ... متونهنّ جلاءُ الشكّ والريبِ
ومنه لأبي الفتيان بن حيوس:
أرضٌ إذا ما التربُ أجدبَ اخصبتْ ... بندىً إذا ما الغيثُ أنجم أنجما
يلقى بها الروادُ روضًا زاهرًا ... ويصادفُ الورادُ حوضًا مفعما
وله أيضًا
وكمْ وقفتُ وأصحابي بمنزلةٍ ... أقوت بسكانها ولهانَ وهلانا
نبكي، وتسعدنا كومُ المطيّ، فهل ... نحن المشوقونَ فيها أمْ مطايانا
1 / 31