ولذلك قال الفاضل أبقراط: ما كان من الحيوان والنبات في مواضع حارة يابسة، كان أسخن وألطف وأسرع إلى التشبه بالأعضاء إلا أنه عسير النفوذ في العروق والجولان في البدن لان سرعة نفوذه في العروق تحتاج إلى رطوبة يسيل بها وينماع. وما كان من الحيوان في مواضع رطبة، كان أرطب وأسرع نفوذا في العروق، إلا أنه عسير التشبه بالأعضاء قريب الانحلال منها لان سرعة التشبه بالأعضاء تحتاج إلى يبوسة يسهل بها انعقاده وانقلابه إلى الصلابة بسرعة.
وأما الوجه الذي يذم منه فإنه لقحل لحمه وجفافه، صار عسير الانهضام بعيد النفوذ في العروق، يولد غذاء جافا قليل الرطوبة. ولذلك صار أقل لذاذة من الحيوان الأهلي كثيرا. ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: إن جميع الحيوان البري مقصر عن الحيوان الحضري في اللذاذة وكثرة الغذاء ما خلا الماعز فقط، فإنه متى كان بريا كان ألذ طعما وأكثر غذاء وأفضل لأنه في دوام حركته وكثرة تعبه يرق دمه ويتخلخل بدنه وتتفتح مسامه وتتحلل منها الرطوبات التي هي علة لزهومته وزفورته، ويكتسب بذلك عذوبة ولذاذة لا توجد في الحضري من الماعز.
وللفاضل أبقراط في هذا فصل قال فيه: إن لحم الماعز ليس بالمحمود لا في كثرة الغذاء ولا في جودة الهضم وبخاصة متى كان من حيوان كبير، من قبل أن الدم المتولد عنه أسخن وأخف من المعتدل إلا أن يكون الحيوان خصيا أو رضيعا أو بريا، لان الخصي تقل حرافته ويلين لحمه ويرطب ويستفيد عذوبة ولذاذة. وأما الرضيع فإنه يكتسب من اللبن حرارة جوهرية ورطوبة محمودة معتدلة (1) ويعتدل بها يبس مزاجه ويكتسب بها عذوبة ولذاذة ويجود هضمه ويصير موافقا لمن كان مزاجه حارا (2) يابسا. وأما البري (3)، فلقوة حركته ودوام تعبه ولطافة هوائه، يرق دمه ويلطف وتتخلخل مسام بدنه وتتحلل منها رطوبته الموجبة للعفونة والفساد وتزول عنه زهومته وزفورته ويصير عذبا لذيذا سريع الانهضام. وزعم الفاضل أبقراط أن هذه الخاصة لازمة للماعز دون غيره من الحيوان، لان جميع الحيوان الحضري ألذ طعما وأكثر غذاء وأفضل وأحمد من الحيوان البري ما خلا الماعز فإنه واقع بعكس ذلك وضده.
وأما الحيوان الأهلي، فإنه أقل حرارة وأكثر رطوبة من الحيوان البري. ولذلك صار أحمد كثيرا إلا أنه يختص بأربع خواص. أحدها: أنه، لضعف حرارة هوائه الذي يأوي فيه وكثرة رطوبته لما يظله من حرارة الشمس من السقوف والأشجار وغير ذلك، قلت حرارة مزاجه وزادت رطوبته وكثرت لزوجته وغلظ لحمه وبعد انقياده لفعل الطبيعة وعسر انهضامه (4) في المعدة والكبد جميعا. وذلك أن ليس في قوة هوائه الذي يأوي فيه من الأشجار ما يرق دمه ويلطفه. ولذلك ثبت على لزوجته وغلظه.
Página 86