============================================================
الواحد الأحد قال بعض الحكماء(1): إنما قيل له "واحد" لأنه عز وجل لم يزل قبل الخلائق متوحدا بالأزل، لا ثاني معه، ولا خلق، ثم أبدع الخلق، فكان الخلق ثانيا.
وخلق الخلق كله محتاجا بعضه إلى بعض، ممسكا بعضه بعضا، متعاديا ومتضادا،ا ومتشاكلا ومزدوجا، ومتصلا ومنفصلا، واستغنى عز وجل عن الخلائق، فلم يحتج إلى شيء، فيكون ذلك الشيء مقرونا به لحاجته إليه، ولا ناوأه شيء، فيكون ذلك الشيء ضدا له، مضرا به، ويكون ذلك الضد والقرين ثانيا له، بل توحد بالغنى عن جميع خلقه، لأنه كان قبل كل شيء. فالأولية دلت على الوحدانية، إذ لم يكن قبله شيء متوحد(2) بالأولية، كما توحد هو عز وجل بها، فيكون هو ثانيا لذلك الشيء الذي تقدمه، بل كان هو الأول السابق بالوحدة وكان الخلق ثانيا بالإبداع. والواحد اسم يدل على نظام واحد، يعلم باسمه أنه واحد، ليس قبله شيء. والواحد من العدد في الحساب ليس قبله شيء، بل هوا قبل كل عدد، وهو خارج من العدد(3). والواحد كيفما أدرته أو جزأته لم يزذ فيه شيء، ولم ينقص منه شيء. تقول: واحذ في واحد واحد(4)، فلم يزذ على الواحد شيء. وتقول: نضف الواحد نضف واحد، فلم يتغير اللفظ عن الواحد، فدل أنه لا شيء قبله. وإذا دل أنه لا شيء قبله، دل أنه محدث الشيء، وإذا دل انه محدث الشيء، دل أنه مفني الشيء. وإذا دل أنه مفني الشيء، دل أنه لا شيء بعده. وإذا لم يكن قبله شيء، ولا بعده شيء، فهو المتوحد بالأزل. فلذلك قيل: هو واحد وأحد.
وقلنا إن الأحد هو اسم أكمل من الواحد. ألا ترى أنك لو قلت: فلان لا (1) تطغى المصطلحات الفلسفية، التي تكثر فيها المصادر الصناعية، على لغة هذا "الحكيم" .
ومن المرجح أنه "النسفي" في كتاب "المحصول" . ويبدو أنه من أوائل من تولى صياغة نظرية الإبداع" الإسماعيلية بصيفتها الأفلاطونية المحدثة .
(2) في م: متوحدا.
(3) وردت هذه الفكرة بعينها بعبارات مقاربة في رسالة "كون العالم" للنسفي، الورقة 91 .
(4) الإشارة إلى عملية الضرب الحسابية: 1 14 -1.
Page 188