216

وما ترجمه الأستاذ الجليل هو أصح ما نقل عن المعلم الأول إلى اللغة العربية، وقرين في الصحة والوضوح لأفضل الترجمات في اللغات الأوروبية.

ولكن لا يزال الغلط البالغ محيطا بالمنقولات الأخرى عن أرسطو منذ تصدى له النساطرة والإسرائيليون الأندلسيون؛ لأن الجلة من أولئك المترجمين كانوا يجهلون معاني الفلسفة ويجهلون دقائق العربية، ولا ندري الآن مبلغ علمهم باليونانية، وليس أولى بتصحيح أغلاطهم من عصرنا هذا الذي تيسرت فيه مراجع الفلسفة اليونانية، وتيسرت فيه العناية بها والترجمة عنها.

وقد خطر لي أن ترجمة أرسطو وأفلاطون عسيرة على الفرد إذا استقل بها، ميسرة للجماعة إذا تعاونت عليها، فماذا على شبابنا الفضلاء المتفرغين للفلسفة بأنواعها لو تقاسموا بينهم آثار الحكيمين جميعا، ففرغوا منها في عام واحد أو عامين؟

إن في أرسطو وأفلاطون لما يصلح العقول ويقوم التفكير حتى في هذا الزمان، وما تباعد فيه الخلف بين آرائهما وآراء عصرنا حقيق بالدراسة كتلك الآراء الخالدة التي لم يطرأ عليها الخلف والتغيير؛ لأن دراسته دراسة لعقل الإنسان، وهو موضوع الدراسة في كل أوان.

وعمل الجمعية الفلسفية ناقص إذا بقيت اللغة العربية بين لغات الحضارة خلوا من ترجمة صحيحة للحكيمين الخالدين، وظننا بها أنها قادرة على التمام.

وطلب التمام على من يستطيعه فرض عين في لغة الحكماء، وهي هنا قريبة من لغة المتصوفة ولغة الفقهاء.

الفصل الخمسون

الفلسفة مأمونة

«أتمن الله على الخطر؟ إن الفلسفة خطر على أصحابها وخطر على عقول العامة؛ لأنها ما زالت منذ كانت تثير الظنون وتعرض المشتغلين بها للقيل والقال ...»

قرأت هذا في كتاب غفل من الإمضاء، فكان في ذلك بعض الدليل على أن اتهام الفلسفة بالخطر في زماننا هذا هو الخطر الذي يستتر منه الناس.

Unknown page