205

لأن معناه أن ستالين يخالف الشيوعية التي ننكرها، ولا يدين بقواعدها التي بسطها كارل ماركس وشرع في تحقيقها لينين.

ومعناه من جهة أخرى أن الشيوعية في تطبيقها تخالف الشيوعية في أصولها النظرية، وأنها من أجل ذلك مذهب لا يصلح للتنفيذ في الحياة العملية.

وقد اضطر ستالين فعلا إلى الاعتراف بتفاوت الدرجات والأجور، واضطر إلى التسليم للأسرة ببعض الحقوق، وقبول الملكية في وضع من الأوضاع، ثم انتهى خلال الحرب الحاضرة بتعظيم فضيلة الوطنية التي كانت في عرف كارل ماركس وأصحابه لعنة من لعنات الاستغلال، وحيلة من حيل أصحاب الأموال، فهو وأعوانه يسمون الحرب الحاضرة بالحرب الوطنية، وحرب الدفاع عن الدمار؛ لأنهم علموا أن اسم الشيوعية وحدها لا يشحذ همة الشعب إلى النضال، ولا يغني عن نخوة الوطن والعصبية القومية.

فاضطرار الأقطاب الشيوعيين إلى العدول عن بعض قواعدها الأولية يؤيد ما نقول، ولا ينفي أنها مذهب غير معقول ولا مقبول.

ولكننا مع هذا ندعو إلى الحذر من تصديق كل ما يروى عن التطبيقات الشيوعية في الوقت الحاضر؛ لأن الوصول إلى حقيقة النظم الروسية اليوم من أصعب الأمور، ولم يسمح قط لرجل مستقل الرأي منزه عن الغرض بالطواف في أرجاء روسيا على حريته بغير رقيب أو دليل، وإذا سمح له بالطواف في المواطن البعيدة عن الأسرار والخفايا، فلا ينقضي أسبوع على معاشرته لفرد من الأفراد، أو فئة من الفئات إلا أسرع الحاكمون بتبديله، وإحلال آخر أو آخرين في محله، حتى لا تنعقد بين السائحين المستقلين وبين أحد من الروسيين صلات وثيقة تطلق عقال الألسنة، وتكشف كوامن الصدور.

ولا حاجة بنا بعد هذا وذاك إلى ملاحظات السائحين المستقلين لإدراك هذه الحقائق الغنية عن الدليل، فحسبنا أن حرية الكتابة مكبوحة في روسيا منذ نيف وعشرين سنة؛ لنعلم أن بواطن الأمور غير ظواهرها، وأن رعايا الشيوعيين لا يملكون الإفضاء بما في ضمائرهم لأبناء وطنهم فضلا عن الغرباء الطارقين، الذين يحاطون بالرقباء والأدلاء من قريب وبعيد.

ولا نزال نذكر الفكاهة التي رويت على لسان الفلاح الروسي حين سمح له بالتحدث إلى العالم الخارجي من محطة الإذاعة العامة على شريطة أن يفوه بكلمة واحدة، ولا يزيد عليها، فكانت كلمته التي جمعت كل ما أراد الإفضاء به إلى العالم الإنساني كله هي: «النجدة!» ولاذ بعدها بصمت الأموات.

فحسبنا أن المذهب في أصول النظرية غير معقول، وأن أقطابه لا يقدرون على تطبيقه إلا بعد الانحراف عنه والتعديل فيه، وأن الأقوال التي تصل عنه إلى العالم الخارجي لا تخلو من حجر ورقابة، وهذه كلها حقائق متفق عليها، حسبنا كما قلنا أن نعلمها لنعلم أن الحذر من تصديق ما يقال هو أقل ما تقابل به تلك الأقوال.

وليست كل التعليقات جدا كهذا التعليق الذي ألمعنا إليه من كلام «البورص إچبسيان».

فهناك تعليقات الأوشاب!

Unknown page