وأما الخلاف في المعنى دون اللفظ فهو مع الفلاسفة الإسلاميين، والباطنية، فإنهم ذهبوا إلى أن العالم محدث جميعه من السائط والتراكيب والأفلاك، وغيرها، فوافقونا في إطلاق لفظ الحدوث، وزعموا أنها حاصلة فيما لم يزل العالم غيره لا من ذاته، فأستوا فيها معنى التقديم ومعنى المحدث عندهم ما كان موجود من دأبه فالعالم محدث لمن وجوده عن العقول والأفلاك على ترتيب لهم في ذلك.
وأما الموضع الثاني: وهو في حقيقة الشيء، وقسمته، وحقائق أقسامه وحصرها، فاعلم أولا أن وجه الحاجة إلى تقديم هذا الموضع والكلام فيه أن الشيء وأقسامه من قديم، ومحدث، وجسم، [76أ] وجوهر، وعرض، وغير ذلك، بغرض ذكرها في الاستدلال على إثبات الصانع لحدوث الأجسام، وفي الاستدلال على حدوث الأجسام، ونكثر ذكر ذلك وتكراره في هذا الموضع خاصة، وفي جملة الفن، فاحتجنا إلى تقديم ذلك على الدلالة ويعود إلى إلحاق والقسمة.
أما حقيقة الشيء في أصل اللغة فهو ما يصح العلم به، والخبر عنه، سواء كان موجودا، أو معدوما، قديما، أو محدثا، مستحيلا، أو بانيا.
وأما في الاصطلاح فحقيقته هو ما يصح العلم به على انفراده احتراز من الصفات والأحكام فإنها لا تعلم على انفرادها وإنما يعلم الذات عليها.
وأما الذات فمعناها ومعنى الشيء في الاصطلاح واحد، وأما في أصل اللغة فالذات لا تستعمل إلا مضافة، ويقال ذات مال وذات جمال.
وأما قسمته فالشيء ينقسم إلى قسمين: موجود، ومعدوم، والمعدوم ينقسم إلى قسمين: أصلي، وفرعي.
Page 146