وكان القسم الأكبر من الجمهوريين قد التجأ إلى باريس ولندن، ومكث مازيني في لندن مع فئة صغيرة من أصدقائه الخلص غير مستسلم للفشل، وظل يحلم باليوم الذي يهب فيه الشعب من سباته، فيسود فيه الحق.
وكان الكثير من أصحابه قد انفصلوا من حوله إلا عددا قليلا من الجمهوريين في وسط إيطالية وجنوبها، وكانت كل مدينة تحتوي البعض من جمهوري سنة 1848، وكانت جمعيات التعاون للعمال عبارة عن تشكيلات جمهورية وراء المظهر الاجتماعي، وقد كانت هذه التشكيلات في ريبة من حركة بيمونته الدستورية شأنها في ذلك شأن مازيني، وكان لها في لمبارديه بطبيعة الحال منبع الشغب رغم موت عدد كبير من زعمائها ونفيهم؛ إذ لم يعتر الروح القومية الوهن.
وظلت الأبواب موصدة بوجه الضباط والموظفين النمسويين،
للمباردي تؤدي للبراز مما أودى بحياة كثير من النمسويين والطليان، وقد مال كثير من أحرار لمبارديه إلى سياسة التريث إلا أن الأشراف الأحداث ظلوا متمسكين بأحرار بيمونته وباللاجئين في تورينو، وكانت جماعات من أصحاب الحرف وبعض الرهبان يعدون المؤامرات فيقمعها النمسويين في شدة هائلة.
وقد نشطت التشكيلات السرية واتسعت، حتى اتصلت بلجنة مازيني المركزية في لندن، وأعدت في سنتي 1850 و1851 مؤامرة قوية واسعة النطاق تستهدف القيام بثورة حين حدث الانقلاب الحكومي في فرنسة إلا أن العقلاء من أعضائها اعتقدوا بأن العصيان قد فات، وأن الأنظار يجب أن تتجه نحو بيمونته، ولكن السلطات النمسوية قد ارتابت من الأمر، وقبضت على أحد المشتبه منهم، وبعد جلد استمر ثلاثة أيام أجبر على الاعتراف بأسماء الزعماء، فقبضت على الراهب تزولي في مانتويه وأوقفت مائتي صانع وتاجر وأنزلت بهم أفظع أنواع التعذيب؛ للحصول على اعترافات أخرى، ولما لم توفق إلى ذلك صلبت تزولي وأربعة آخرين.
فأغضب هذا الحادث اللمبارديين، وفكر البعض في الانتقام من السلطات النمسوية بإحياء الأيام الخمسة، ودعت جماعة من الصناع في ميلانو مازيني لمساعدتها، ولما شجعها على العمل تقرر أن تكون الثورة في أحد الأعياد الدينية يشترك في الاحتفال بها، ولما لم تكن الظروف ملائمة فقد فشلت الحركة في مهدها وفر الزعماء إلى الخارج وعدل جمهوريو جنوة عن مساعدتها في اللحظة الأخيرة.
وكذلك أخفقت الحركة في الروماني وفي روما، وانتهز النمسويون الفرصة لإنزال الضربة القاضية على الأحرار، فشنقوا أربعة وعشرين شخصا من المتآمرين، وأجلوا ستة آلاف من أهل تسينا كبارا وصغارا، رجالا ونساء إلى خارج الحدود؛ نكاية بسويسرة لقبولها اللاجئين.
ولم يكف ذلك كله للتخفيف من غضب المارشال الشيخ زاديتسكن، فقد كان يحنق كل الحنق على أشراف ميلانو الأحرار، وقد التجأ أكثرهم منذ خمس سنوات إلى تورينو وجنوة، فصار يوجه المسئولية على بيمونته ويتهمها بتحريض اللاجئين الأغنياء إليها؛ لأنها آوتهم في بلادها وتشجعهم على المؤامرة ضد جارتها.
وقد صدرت إرادة الإمبراطورية بمصادرة أملاك جميع الذين تركوا البلاد لأسباب سياسية، فجاء هذا العمل مخالفا الحقوق التي أيدتها المعاهدات؛ لأن الأشراف كانوا قد تجنسوا بالجنسية البيمونتية، وقد كفلت المعاهدات صيانة أملاك البيمونتيين في لمبارديه وفينسية، مع العلم بأن كافور قد اتخذ أشد التدابير لمراعاة أحكام الاتفاق، وأقام سياجا من الجنود على طول الحدود؛ ليحول دون تسرب المساعدة من جانب بيمونته إلى المتآمرين، وقد صادر - بصورة غير مشروعة - بيان مازيني، وطرد كريسبي وآخرين من الجمهوريين من البلاد.
وعليه، فإنه استدعى السفير البيمونتي من فيينا وقدم احتجاجا شديد اللهجة على مخالفة النمسة للاتفاقيات ولو لم يمنعه دازجيلو لقابل عمل النسمة بالمثل، فصادر أملاك الرعايا النمسويين في بيمونته.
Unknown page