وقد أصدر جيوبرتي من محل انزوائه في باريس كتابه المعنون «أحياء إيطالية المدني» شرح فيه آماله في وجود بابوية مصلحة، وبين أن زعامة إيطالية قد انتقلت إلى بيمونته فأصبحت مهمتها إنقاذ الأمة بمساعدة فرنسة وجعل إيطالية دولة موحدة عاصمتها روما.
وأخذت النخبة الممتازة من الأمة تتلهف على استئناف الحرب ضد النمسة حربا لا تبقي في يدها شبرا من الأرض في جنوبي جبال الألبة، واتجه جميع الأحرار - على اختلاف مشاربهم - بأبصارهم نحو الملك فيكتور عمانوئيل؛ ليسير على رأسهم؛ ولا سيما بعد أن أخذ نفوذه بين الشعب يتغلغل ويزداد، وكان يقضي حياته الخاصة بين اللهو العادي والألعاب الرياضية، فبينما كانت زوجته على قيد الحياة أسكن خليلته في الحديقة الملكية.
ثم إنه كان رجلا خشنا ولكن طيب القلب، وكان شجاعا لا يهاب الموت، وبقدر ما كان يجيد الفروسية كان لا يحسن القيادة، وكان يحمل في جنبه حبا للدموقراطية، ويغتبط كثيرا بمحبة الشعب على الرغم من أن مظاهراته كانت تتعبه.
وكان ظريف الروح يتصل بجميع الطبقات ينفر من المراسم، وكان الجمهور في إيطالية يعتبره الأمير الدستوري والملك الشريف الذي لم يحنث أمام الشعب، والجندي الذي حارب النمسة ولن يتخلف عن محاربتها، وبذلك كسب إخلاص الشعب له وولاءه، وكان يكره النمسة ويتوق إلى حرب ينتقم بها لشرف أبيه ويغسل عار نوفاره، ومما زاده في سخطه عليها تدبيرها الدسائس مع الرجعيين، وقد قرأ كتاب جيوبرتي وأشر عليه وصرح بعزمه على أداء الرسالة التي ألقيت على عاتقه في الكتاب المذكور.
وقد اجتمعت الأحزاب - ما عدا الرجعيين - على التأهب لحرب قادمة،
ومقاطعتي «شلزويح وهلشتاين» في ألمانية تنذر بنشوب حرب أوروبية، وأخذ اليساريون يبشرون بمناهضة النمسة ويضاعفون بإكرام اللاجئين والترحيب بهم، وأطلقت الجريدة التي هي لسان حال فاليريو العنان للوزارة واندفعت في تأييدها على أن تقوي الجيش والأسطول، وقام «باللافيجو» قبل ذلك بدعاية نشيطة لبيمونته وسط إيطالية وجنوبها، وكاد حزب اليمين يطالب بأكثر من ذلك وأعاد الجنرال مارمورا تنظيم الجيش بحيث يستطيع أن يقذف بتسعين ألفا من الجند إلى الميدان.
وبينما كانت سياسة الإرهاب في لمبارديه مستمرة بعد استقالة كارل شفارتسنبرج، وبينما كانت النمسة تفتقد مكانتها في نظر الرأي العالم المتمدن في أوروبا، كانت بيمونته تعتز بقوتها ورقيها وتنظيمها، ومع ذلك فقد كان المحافظون وقد يشترك معهم في رأيهم آخرون كثيرون؛ لا يعتقدون بأن بيمونته تستطيع أن تقهر النمسة دون مساعدة، وكانت سياسة دازجيلو الخارجية تقوم على تأمين منزلة محترمة لبيمونته في فرنسة وإنجلترة، ولم يكن ينتظر أن تساعد إنجلترة بيمونته بالسلاح، ما لم تنشب حرب عامة في أوروبا.
ومهما كانت مودة بالمرستون لبيمونته عظيمة؛ فإنه أصر على التمسك بسياسة السلم، أما في فرنسة فكان الأمر على عكس ذلك وتفصيل الأمر أن القوة التي أوفدها نابليون إلى روما جلبت سخط الدموقراطيين، ولكن ساعده الكتاب الذي أرسله إلى الجنرال ني قائد القوة على أن يحتفظ بمكانته في قلوب الطليان.
ولعب نابليون بعد ذلك عشرين سنة دورا خطيرا في السياسة الإيطالية، وقد أصاب في تقديره ما اكتسبته الفكرة القديمة في ذلك العهد من القوة الفعالية في السياسة الدولية، واعتقد أن في مكنة فرنسة بصفتها حاملة علم القومية أن تضمن لأوروبا استقرارا دائما وعهدا للسلم جديدا، وكان يرى بأن إيطالية الموحدة وألمانية الموحدة وبولونيه المستيقضة وتحرر السلاف في الإمبراطورية النمسوية؛ سوف تساعد أوروبا على أن تنصرف إلى الرقي التجاري والتجارة الحرة وإلى تسوية القضايا الاجتماعية.
وكانت قضية إيطالية وبولونيه من أهم مواضيع أحلام نابليون في ذلك الحين، وكانت إيطالية أول من جلبت انتباهه، وقد أدرك رجال بيمونته السياسيون ذلك، وكانوا قد فكروا قبلا في محالفة فرنسة حينما دخل كافور الوزارة، وقد صبروا ريثما يصبح رئيس الوزارة قادرا على العمل، ولما نجح نابليون في 2 كانون الأول 1851 في حمل فرنسة على المناداة به إمبراطورا لفرنسة؛ هاجمته جرائد تورينو وجنوة؛ لعمله المنافي للدستور، فغضب لهذا الهجوم الماس بكرامته، وطلب إلى دازجيلو أن يعدل قانون المطبوعات وأن يكمم أفواه اللاجئين.
Unknown page