سلام عليكم وهنيئا لكم؛ لأنكم رقدتم براحة وسلام قبل زمن الاضطرابات التالية. هنيئا لكم لأنكم خلصتم من مشاهد الحياة الباردة، واهتماماتها الباطلة، وشهواتها الفارغة، واعتداءاتها الوحشية. إنكم خلصتم من مشهد الصغير النفس يجر ذيل الكبر منتصرا، والدميم خلقا يتيه دلالا، ويمشي اختيالا، والسالب يتمتع بما سلب مكرما محترما بين قومه؛ لأن الناس لم يتعودوا شم رائحة الذهب قبل إكرام صاحبه ليعلموا هل كان كسبه حراما أو حلالا، والوقح يبلغ مآربه بوقاحته ويزدري كل الفضائل والأخلاق اللطيفة؛ لأنها بين الحيوانات البشرية في الدنيا لا تجر مغنما، ولا تدفع مغرما.
هنيئا لكم أيضا؛ لأنكم قضيتم قبل العصر الذي تزحف فيه الأمم والقارات بعضها إلى بعض ليفني بعضها بعضا. إنكم يا أيتها الجواهر الثلاثة قد شهدتم سقوط أورشليم الجميلة عاصمة العواصم وزينة الدنيا وعروس العالم، ولكن كل هذا ليس بالشيء الذي يذكر بإزاء الأهوال الآتية. إن عنصرين جديدين من البشر سيشتبكان ويتخالطان ويتماسكان، وكل منهما يطلب إذلال الآخر أو نبذه من الدنيا. فأشفقوا على إخوانكم الضعفاء الآتين بعدكم في هذا النزاع الهائل. أشفقوا على الدماء التي ستسفك من الفريقين، والمظالم والفظائع والصبيانيات التي ستحدث في الجانبين، وبما أنكم قد خرجتم عن دائرة النزاع والعراك في الحياة، وأصبحت نفوسكم نفوس ملائكة لا نفوس حيوانات بشرية فأوحي إلى الشرقيين يا أيتها النفوس الكريمة المبادئ الجميلة الشريفة التي تريهم أباطيل نزاعهم. ثم أرسلي إلى حكامهم روح العدل والحق والنزاهة والمحبة والألفة والسلام؛ ليعيش الجميع في هذه الأرض التي أصبحت مشتركة بينهم والتي سقوها بالدماء والدموع معيشة هادئة لا يسبون معها الأرض ولا يشكون من السماء.
Unknown page