18
هكذا كان أرميا يخطب على جبل الزيتون، ويرثي أورشليم حين دخول حامية العرب إليها لتولي شأنها، ولو سمعه حينئذ الإسرائيليون الذين كانوا يرافقون جيوش العرب لقالوا له إنه قد جاءت نوبة قومه في هذا الرثاء بعد أن صرف قومهم فيه عدة قرون. •••
ولم يكد أرميا يطوي الكتاب الذي بين يديه، ويترك الرثاء حزينا متألما حتى طلع عليه بعض فرسان العرب. فعرف أرميا منهم عمر بن معدي كرب، وقد جاء بطلب إيليا لغرض له. فأخبره أرميا عن مرض إيليا، ودله على المزرعة، ولما وصل الأمير إليها كان إيليا غائبا عن الرشد، وهو على أهبة الرحيل.
ذلك أن الحمى التيفوئيدية فعلت فيه ما فعلته بأستير.
وكان الشيخ وأهل المزرعة حينئذ في منتهى الحزن والغم لحالة إيليا، وهم من ذلك في بكاء مستديم.
ولما علم الأمير بموت أستير ومرض إيليا إلى هذا الحد حزن حزنا شديدا، وقبل عودته من المزرعة سأل الشيخ سليمان أن يدله على قبر الراهب ميخائيل الذي كان إيليا قد أخبره خبره كما تقدم. فذهب به الشيخ إليه، وقبل رحيل الأمير سأله الشيخ ماذا يريد من إيليا؛ ليبلغه إياه بعد انتباهه من نوبته. فأجاب الأمير بلسان ترجمانه: هي مسألة كتاب سري بين خليفتنا عمر وبترككم لم يدر بها أحد غير إيليا. فأحببت أن أقف منه على فحواه لأمر ما، وسأراه مرة أخرى.
ولكن هذا السر بقي في صدر إيليا ومات بموته. لا سيما وأن أبا أستير الذي وقف عليه أيضا قد توفي بعد شهر من وفاة ابنته.
وقد فاتنا أن نقول: إن زوجته العجوز توفيت في ذات الأسبوع الذي توفيت فيه أستير من حزنها على ابنتها.
وقد دفنوا إيليا بين قبر أستير وقبر أستاذه الراهب ميخائيل، وكان يوم دفنه يوم عويل وحزن عظيم عند أهل المزرعة كبارا وصغارا حتى الأولاد.
فيا أيتها القبور الثلاثة التي تعانقت رفاتها في جوف الأرض تعانق الأحباء، وضمت الحكمة والجمال والشباب والعقل: سلام عليكم من كاتب قصتكم وقارئها.
Unknown page