Unknown
المخدرات أخطر معوقات التنمية
Publisher
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Edition Number
(السنة الرابعة عشرة - العدد الرابع والخمسون)
Publication Year
ربيع الثاني -جمادى الأولى -جمادى الآخرة ١٤٠٢هـ.
Genres
مدخل
...
المخدَّرات أخطرُ مُعوَّقاتِ التَّنمِيةِ
للدكتور إبراهيم إمام رئيس قسم الإعلام بكلية الدعوة وأصول الدين
الحمد لله الذي خلق الإنسان، وفضله على غيره من الأكوان بما ركّب فيه من قوى أعلاها العقل وأغلاها الإدراك والفهم، والمعرفة من أهم خصائص الإنسان ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ يشير إلى ما أودع الله سبحانه في آدم من قوى الإدراك والاستنباط والقياس، وتداعي المعاني وتوالدها. ومن هنا كانت القدرة على إنماء قاموسه اللغوي، وإضافة جديد إليه كل يوم، إذ كلما جدَّ جديد في الحياة من المخترعات والمصنوعات التي تفتق عنها عقل الإنسان، وضع لهذا الجديد اسما يعرف به، ويستدل منه عليه، ففي عقل الإنسان تتولد المدركات، وتتشكل الصور، وتتداعى المعاني، ومن عقل الإنسان تخرج الأسماء لكل مدرك، ولكل متصور في عالم الواقع أو الخيال.
يقول الله تعالى ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ . وفيه بيان لموقف الملائكة في هذا الامتحان، وعجزهم عن وضع أسماء لتلك المخلوقات التي عرضها الله تعالى عليهم، لأنهم ليس لهم على ذاتي، عن طريق الاستنباط والقياس، كما الشأن في الإنسان، وإنما علمهم محصور فيما يعلمهم الله فيه، لا يزيدون فيه أو ينقصون، فلا ابتكار ولا اختراع، على خلاف الإنسان الذي يبتكر ويخترع، ويجمع بين الأشياء ويفرقها، ويولد منها ويختصر.
وإذا كان الحيوان مخلوقًا ذا طبيعة واحدة. جسمه مصدر طاقته وغرائزه توجهه، يأكل ويشرب ويتناسل بدافع جسدي بحت لا إدراك فيه لهدف، ولا اختيار لوسيلة، وإذا
1 / 49
كان الملَكُ مخلوقا يعيش في نطاق روحه، ويطيع الله تعالى بفطرته، لأنه مفطور على الطاعة المطلقة ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ .
فإن الإنسان له طبيعته الفريدة التي تتميز بكونه قبضة من طين الأرض ونفخة من روح الله، ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ فالشهوات كلها أو الدوافع الفطرية أو الغرائز الإنسانية أو القوة الحيوية هي نشاط جثماني، ولكنها فطرة قابلة للكبح والضبط بالعقل والإدراك، وقابلة للسمو الروحي بالإيمان بالله والمثل العليا والعمل على تحقيقها إيجابيًا في واقع الحياة.
الإسلام والتنمية: وفي قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ كشف عن فضل آدم في هذا الموقف وأنه قادر على مالا تقدر عليه الملائكة، من إحداث هذا التغيير في وجه الأرض، بما أدخله عليها من إضافات في صورها وأشكالها، وذلك ما لا تستطيعه الملائكة من ذات أنفسها، ولهذا أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، سجود إجلال وتعظيم لقدرة الخالق سبحانه، الذي أخرج من تراب الأرض كائنًا يعلم الملائكة ما لم يكونوا يعلمون. وقد غير آدم الأرض فأخرج المخبوء من أسرارها، وسخرها لخدمته، فعمر جديبها، وأحيا مواتها، واستأنس متوحشها، وألان حديدها، حتى أقام تلك المدنيات وهذه الحضارات، فركب البحار وسبح في الفضاء، ووصل إلى الكواكب والأقمار، حتى أخيرًا قدميه على القمر. ثم إن الإنسان لا يقف عند هذا الذي أخرجه من معطيات مدركاته فإن أمام الإنسان مجالًا فسيحًا للبحث في أسرار هذا الكون الذي أودع به الخالق سبحانه مالا ينفذ من آيات علمه، وحكمته وقدرته، فإذا عجز جيل من أجيال الناس عن اكتشاف سر من أسرار الكون جاء الجيل الذي بعده، فحاول أن يكشف عن مكنون هذا السر، وهكذا تتوالى أجيال الإنسانية، كل جيل يبني على ما أقامه الجيل السابق حتى يعلو صرح البناء، وينمو نموا مطردا، ما دام للناس وجود على الكوكب الأرضي ١. _________ ١ عبد الكريم الخطيب - الإنسان في القرآن الكريم. دار الفكر العربي ص ٢٧.
الإسلام والتنمية: وفي قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ كشف عن فضل آدم في هذا الموقف وأنه قادر على مالا تقدر عليه الملائكة، من إحداث هذا التغيير في وجه الأرض، بما أدخله عليها من إضافات في صورها وأشكالها، وذلك ما لا تستطيعه الملائكة من ذات أنفسها، ولهذا أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، سجود إجلال وتعظيم لقدرة الخالق سبحانه، الذي أخرج من تراب الأرض كائنًا يعلم الملائكة ما لم يكونوا يعلمون. وقد غير آدم الأرض فأخرج المخبوء من أسرارها، وسخرها لخدمته، فعمر جديبها، وأحيا مواتها، واستأنس متوحشها، وألان حديدها، حتى أقام تلك المدنيات وهذه الحضارات، فركب البحار وسبح في الفضاء، ووصل إلى الكواكب والأقمار، حتى أخيرًا قدميه على القمر. ثم إن الإنسان لا يقف عند هذا الذي أخرجه من معطيات مدركاته فإن أمام الإنسان مجالًا فسيحًا للبحث في أسرار هذا الكون الذي أودع به الخالق سبحانه مالا ينفذ من آيات علمه، وحكمته وقدرته، فإذا عجز جيل من أجيال الناس عن اكتشاف سر من أسرار الكون جاء الجيل الذي بعده، فحاول أن يكشف عن مكنون هذا السر، وهكذا تتوالى أجيال الإنسانية، كل جيل يبني على ما أقامه الجيل السابق حتى يعلو صرح البناء، وينمو نموا مطردا، ما دام للناس وجود على الكوكب الأرضي ١. _________ ١ عبد الكريم الخطيب - الإنسان في القرآن الكريم. دار الفكر العربي ص ٢٧.
1 / 50
والمعرفة من أهم خصائص الإنسان، ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ والإنسان خليفة الله الخالق المبدع المسيطر على كل قوى الكون، وهو مخلوق تحتفل به السماوات والأرض، ويتولى الله ﷾ إعلان مقدمه على الملأ الأعلى. فالخلافة عن الله فيها معاني الإنشاء والابتكار والتعمير والتغيير والتبديل، وكلها معاني دقيقة لاصطلاح التنمية.
التنمية تكليف إسلامي: وقد تحدث القرآن الكريم عن جسم الإنسان وحواسه وعقله وقواه الظاهرة والباطنة فقال تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ . وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ وقال جل شأنه: ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ﴾ . والحواس نعمة من الله أنعم بها على عباده، وهي التي تصل بين البيئة الخارجية وعقل الإنسان، فكل ما يراه الإنسان ويسمعه ويلاحظه ويشمه ويختبره ينتقل إلى العقل الذي يزنه ويميزه، فتنشأ عمليات التعقل والتذكر والتفكر والتدبر. يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ . ويقول سبحانه: ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ . ويقول جل شأنه: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ. يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ . وهكذا نجد أن الإسلام يوجه الإنسان إلى البحث والدراسة والملاحظة والتجريب، ويحثه على استخدام عقله وفكره ليتدبر الكون من حوله، وينال نتيجة جهده وكدحه بقدر ما ينفق من رصيد العلم والمعرفة، الذي جمعه من النظر والتدبر في ملكوت السماوات والأرض،
التنمية تكليف إسلامي: وقد تحدث القرآن الكريم عن جسم الإنسان وحواسه وعقله وقواه الظاهرة والباطنة فقال تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ . وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ وقال جل شأنه: ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ﴾ . والحواس نعمة من الله أنعم بها على عباده، وهي التي تصل بين البيئة الخارجية وعقل الإنسان، فكل ما يراه الإنسان ويسمعه ويلاحظه ويشمه ويختبره ينتقل إلى العقل الذي يزنه ويميزه، فتنشأ عمليات التعقل والتذكر والتفكر والتدبر. يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ . ويقول سبحانه: ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ . ويقول جل شأنه: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ. يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ . وهكذا نجد أن الإسلام يوجه الإنسان إلى البحث والدراسة والملاحظة والتجريب، ويحثه على استخدام عقله وفكره ليتدبر الكون من حوله، وينال نتيجة جهده وكدحه بقدر ما ينفق من رصيد العلم والمعرفة، الذي جمعه من النظر والتدبر في ملكوت السماوات والأرض،
1 / 51
وما أودع الخالق سبحانه في مستكنات الأسرار في هذا الوجود. وهكذا يتحقق إعمار الأرض وتنمية الحضارة.
فأهم ما يميز الإنسان قدراته العقلية وإمكانياته اللغوية والرمزية، وما جبل عليه من اختيار وإرادة، ومحاولته حل المشكلات والتعلم والتدرب، فضلا عن نشاطه الفكري وتحليقه في التصور الإيجابي والتخيل البناء، فهو يرسم في ذهنه صورة للواقع ويرسم صورة أخرى لواقع جديد يريد أن يحققه بفضل ما أفاءه الله عليه من نعمة العقل والإدراك، بحيث يكون تحركه من الواقع الملموس والصورة المأمولة تحرك إنجاز وفاعلية.
ولا حرج في الإسلام من بلوغ الإنسان شأوًا بعيدا في مجال التنمية طالما يتقي الله ويعمل لمرضاته، وفي تلك الحدود الربانية لا قيود على حريته في البحث والعلم والتنمية، بل إنه مطالب بذلك، ومكلف بإعمار الأرض وتحسين أحوال معيشته، والحصول على طيبات الرزق، والعمل المتواصل من أجل رقيه وسعادته.
موقف الإسلام من الخمر والمخدرات: والنشاط الفكري للأفراد والجماعات البشرية وكذلك قدراتها على التنظيم والبحث العلمي والعمل الاقتصادي والإنتاج الصناعي والزراعي وغيره، كله مرهون بسلامة العقل الإنساني من أي قصور أو فتور أو تخدير، فالإقبال على الحياة، والاحتكاك بالواقع لتغييره إلى الأفضل شيمة الإنسان المسلم السوي، فهو يعالج الواقع أو يتحاور معه بالعمل الجاد والخيال الإيجابي القائم على التصور الفعلي، أما الشخص السلبي فإنه يركن إلى الوهم والخيال، ويظن أن المخدر هو منقذه من مرارة الواقع مع أنه يسلمه إلى الخيال المريض. والإسلام الذي يؤكد قيمة الإنسان الذي كرمه الله واستخلفه في الأرض، لا يتضمن مفهومًا غريبًا كمفهوم التخليص المسيحي اليهودي، لأن الإسلام يعتبر حياة الإنسان على الأرض شيئًا إيجابيًا، وينظر إلى الأمام من أجل تحقيق الإرادة الإلهية في المستقبل، والسعادة الحقيقية، وإن أقرب تعبير إسلامي عن العمل الناجح والتنمية السليمة هو الفلاح، فالإسلام يتحدث عن الأمة الإسلامية النشطة البناءة المسئولة الفعالة في التاريخ والتي هي بحق خير أمة أخرجت للناس في سعيها وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر.
موقف الإسلام من الخمر والمخدرات: والنشاط الفكري للأفراد والجماعات البشرية وكذلك قدراتها على التنظيم والبحث العلمي والعمل الاقتصادي والإنتاج الصناعي والزراعي وغيره، كله مرهون بسلامة العقل الإنساني من أي قصور أو فتور أو تخدير، فالإقبال على الحياة، والاحتكاك بالواقع لتغييره إلى الأفضل شيمة الإنسان المسلم السوي، فهو يعالج الواقع أو يتحاور معه بالعمل الجاد والخيال الإيجابي القائم على التصور الفعلي، أما الشخص السلبي فإنه يركن إلى الوهم والخيال، ويظن أن المخدر هو منقذه من مرارة الواقع مع أنه يسلمه إلى الخيال المريض. والإسلام الذي يؤكد قيمة الإنسان الذي كرمه الله واستخلفه في الأرض، لا يتضمن مفهومًا غريبًا كمفهوم التخليص المسيحي اليهودي، لأن الإسلام يعتبر حياة الإنسان على الأرض شيئًا إيجابيًا، وينظر إلى الأمام من أجل تحقيق الإرادة الإلهية في المستقبل، والسعادة الحقيقية، وإن أقرب تعبير إسلامي عن العمل الناجح والتنمية السليمة هو الفلاح، فالإسلام يتحدث عن الأمة الإسلامية النشطة البناءة المسئولة الفعالة في التاريخ والتي هي بحق خير أمة أخرجت للناس في سعيها وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر.
1 / 52
ولقد عد الإسلام إذهاب العقل والتحذير من الكبائر التي يعاقب عليها بالحد الشرعي وذلك حفاظًا على كيان المجتمع البشري ونشاطه الفعال في خدمة التنمية والأهداف السامية للإنسان، وقد قصد الشارع الإسلامي بتعاليمه وتكاليفه وأحكامه المحافظة على الأمور الضرورية الخمسة للناس وهي الدين والنفس والعقل والمال والنسل أو العرض، فكل ما يحفظ هذه الأمور الخمسة فهو مصلحة وكل ما يفوت هذه الأمور أو بعضها فهو مفسدة. لذا فقد جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم المسكرات والمخدرات، لما فيها من الأضرار الفادحة والمفاسد الكثيرة التي تتولد منها وتنشأ عنها بالنسبة للفرد والمجتمع.
ويستوي في نظر الإسلام كل مسكر، لآن المسكر في اللغة الخمر وكل ما يسكر ويذهب بالعقل من الخمرة وما فيها معناها كالحشيش والأفيون والمواد النفسية من العقاقير التي قذفت بها الحضارة الغريبة. وفي الحديث عن رسول الله ﷺ: " كل مسكر خمر وكل خمر حرام " رواه أحمد، وأبو داود، ومادة خمر - عند العرب - تدور في الأصل حول السّتر ومنه خمار المرأة لأنه يستر وجهها ورأسها، ومنه خمروا آنيتكم أي غطوها ١.
فكل مسكر خمر مهما تعددت أشكاله وألوانه، ومهما وضع له الناس من مسميات وألقاب، فيدخل في ذلك كل ما ثبت إسكاره من أي مادة حتى ولو كانت خبزا وماء، كما روى عن عائشة ﵂، أنها قالت " لا أحل مسكرا وإن كان خبزا وماء ". وسواء كان نيئًا أو مطبوخًا، مأكولًا أو مشروبًا، جامدًا أو مائعًا، موجودًا في زمن النبي ﷺ أو لا. ويدخل في ذلك - بطبيعة الحال - الحشيش، والأفيون، والبيرة، والبوظة، والمواد المنومة barbiturates» والمواد المنشطة (amphitamines) وكل ما يتعاطى لأغراض الكيف وتحقيق الشعور بالنشوة والراحة الموهوبة لأنها تضر الفرد والمجتمع على السواء، وذلك لأن تعاطيه يؤدي إلى أضرار مختلفة تتعلق بصحة الفرد البدنية والنفسية وقدراته وإمكاناته الإنتاجية، مما يؤثر على التنمية والرقي، ويعطل قوى الإعمار والإنشاء والبناء، ويتناقض مع كرامة الإنسان ومكانته السامية.
_________
(١) نظرة الشريعة الإسلامية إلى المخدرات -رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة بالمملكة العربية السعودية.
1 / 53
نظريات التنمية والتخلف:
والتنمية لغويًا معناها الزيادة أو الكثرة أو الارتفاع. نما المال بمعنى زاد وكثر، وتنمية الشيء تعني ارتفاعه من موضعه إلى موضع آخر ونمى ينمي ونميًا ونماء وينميه المال وغيره، زاد وكثر، ونمى الخضاب في الشعر أو اليد: ازداد سوادا، وأنمى إنماء الشيء: زاده فأنمى أي زاد، وأنمى الحديث: أذاعه ونشره، وأنماها الكلأ للإبل بمعنى سمنها، وانتمى البازي: ارتفع موضعه إلى موضع آخر.
ولقد أصبح اصطلاح "التنمية" من أكثر المصطلحات شيوعًا في مجالات الاقتصاد والاجتماع والتربية والثقافة والإعلام. والمقصود به رفع مستوى المجتمعات المتخلفة، ومساعدتها للتخلص مما تعانيه من أمية ومرض وفقر. وكرست هيئة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة معظم جهودها للعناية بالتنمية، ودعم الجهود المحلية والدولية لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والحضارية في المجتمعات المتخلفة، والانتقال بها إلى مستويات أفضل وأرفع.
وقد قدمت عدة تفسيرات لأسباب التخلف، منها مثلًا التفسير الجغرافي الذي يؤكد أنصاره تفسيرهم للتخلف بأن عددًا كبيرًا من الدول النامية يقع في المناطق المدارية والاستوائية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بينما تقع معظم الدول المتقدمة في المناطق المعتدلة، ويؤكد أصحاب هذا الرأي أن بيئة الأراضي الاستوائية والمدارية ودرجة خصوبتها، وانتشار الأوبئة فيها، وأمطارها الغزيرة، وحشائشها الضارة تعوق التنمية الزراعية، كما أن حيواناتها هزيلة بسبب انخفاض القيمة الغذائية للمراعي، إذا قورنت بالثروة الحيوانية في البلاد الأوروبية والأمريكية.
غير أن الظروف الطبيعية والعوامل الجغرافية لا يمكن أن تكون وحدها بسبب التخلف بدليل أن بعض الدول النامية تقع في المناطق المعتدلة كدول البحر المتوسط وغيرها، وتحتكر هذه المناطق بعض المحصولات الهامة، وكم من دولة استطاعت أن تتقدم رغم ظروفها الجغرافية الصعبة.
وثمة نظرية أخرى تؤكد أن التخلف له أسباب اجتماعية تتمثل في ضعف قوى الإنتاج وتدهور المستوى العلمي، واكتناز الذهب، والاهتمام بالمظاهر الكاذبة كارتفاع المهور وإقامة
1 / 54
الحفلات الباذخة حبا في المباهاة، وقد تتفتت الثقافة بفعل التعليم الأجنبي الذي يختلف عن التعليم الوطني في البلد الواحد، وتنقسم التربية إلى قسمين متنافرين أحدهما ديني والآخر علماني.
وهناك من يعزو التخلف إلى الجنس والعقيدة، ولكن ثبت مثلا أن اليابان وهي تضم سكانا من الجنس الأصفر قد حققت تقدمًا هائلًا ذعرت له دول الجنس الأبيض، كما سجل التاريخ للصين والهند وغيرهما حضارات زاهرة. وكثيرًا ما يتبجح المفترون بزعم أن الإسلام سبب تخلف الدول المؤمنة به، وهو تعصب أعمى يكشف عن الحقد الدفين منذ مئات السنين، فالإسلام هو الذي عالج قضايا الدنيا والدين، وهو الذي حدد العلاقات الاقتصادية والاجتماعية تحديدًا ينهض دليلًا على الرقي والتقدم، ووضع للعمل والإنتاج قيمة كبرى. وإذا كان المسلمون متخلفين في بعض مجتمعاتهم، فإن ذلك لا يرجع إلى الإسلام، بل إنه على العكس من ذلك يرجع إلى إهمال الدين وعدم التمسك بتعاليمه السمحة البناءة.
وهناك نظرية حديثة ترجع أسباب التخلف إلى الاستعمار. فالدول الاستعمارية استطاعت خلال عشرات السنين أن تحدث تنميتها وتقدمها على حساب المواد الأولية من البلدان التي استعمرتها، وبسيطرتها على التجارة الخارجية للمستعمرات، وجعلها سوقا لمنتجاتها، وبحرمان شعوب المستعمرات من فرض التقدم.
يقول القائد الهولندي " كوين" الذي غزا جاكرتا: " ألا يستطيع أي رجل في أوربا أن يفعل بماشيته ما يشاء؟ هكذا يفعل السيد هنا برجاله الذين يعتبرون بكل ما يملكون ملكًا خاصًا للسيد شأنهم في ذلك شأن البهائم في الأراضي المنخفضة - أي هولندا!! ".
وقام الأسبان في أمريكا اللاتينية بما قام به الفرنسيون في شمال أفريقيا. لقد أهملت الطرق التي شيدها الوطنيون عن عمد لأن أسبانيا كانت تريد تقسيم المستعمرات وحكمها على أساس المبدأ الاستعماري المعروف: فرق تسد. ولهذا جعلت المواصلات والطرق تمتد من الداخل إلى الساحل، ومن الساحل إلى الوطن الأم، إنه نفس الأسلوب الفرنسي في شمال أفريقيا، والأسلوب الإنجليزي في الدول الإسلامية. لقد كان المسافر من القاهرة إلى الجزائر لابد أن يطير إلى باريس أولا، وكان قصد المستعمر دائما هو تفتيت الوحدة بين أصحاب العقيدة الواحدة، وخلق منازعات على الحدود عندما يرحل.
1 / 55
الاستعمار والمخدرات:
وأخطر ما لجأ إليه الاستعمار هو استخدام المسكرات والمخدرات ليفت في عضد الشعوب، وقتل مواهبها، والقضاء على نشاطها، لقد أغرقت بريطانيا الصين بالأفيون، والأسبان هم الذين أدخلوا المخدرات في أمريكا اللاتينية في القرن السادس عشر. وكان الهولنديون سببا في دخول المخدرات إلى جنوب أفريقيا في القرن السابع عشر مع الخمور الرخيصة المهلكة لصحة الشعب الزنجي، وبذلك يكون الحشيش والأفيون والخمور قد انتقلت مع الغزو الاستعماري والهجرات البشرية المصاحبة للمستعمرين والغزاة الذين عملوا على نشره بين الأهالي الأصليين كوسيلة للقضاء عليهم، ولتعطيل التنمية في بلادهم، أو على الأقل لامتصاص قواهم الذهنية.
ولقد عرفت إسرائيل هذه الحقيقة، فأخذت تروج هذه السموم بين العرب، وخاصة إبان نكسة ١٩٦٧ وما بعدها، وعلى سبيل المثال فقد ضبط في القضية رقم ٢٩ جنايات غارب سنة ١٩٦٨ ما مقداره ٤٩٨ كيلوجراما من الحشيش و٥٣ كيلوجراما من الأفيون، وضبط في القضية رقم ٥٧ جنايات غارب سنة ١٩٦٨ ما مقداره ٤٨٤ كيلوجراما من الحشيش، وضبط في القضية رقم ٩٢ جنايات غارب سنة ١٩٦٩ ما مقداره ٥٠٨ كيلوجراما من الحشيش و١٧٢ كيلوجراما من الأفيون، وضبط في القضية رقم ١٠ جنايات الغردقة سنة ١٩٧٠ ما مقداره ٩٧١ كيلوجراما من الحشيش، وضبط في القضية رقم ٦٩ جنايات الغردقة سنة ١٩٧٠ ما مقداره ٨٩٤ كيلوجراما من الحشيش و٥٨٩ كيلوجراما من الأفيون، وضبط في القضية رقم ١٢١ جنايات الغردقة سنة ١٩٧٠ ما مقداره ٧٩٨ كيلوجراما من الحشيش و٢٩٤ كيلوجراما من الأفيون.
وثبت أن هذه الكميات كلها قد هربت عن طريق خليج السويس. أما عن طريق قناة السويس فإن الكميات المهربة لا تقل خطرًا، ففي القضية رقم ٢٥٨ جنايات عتاقة سنة ١٩٦٧، كان المضبوط ٩٨٦ كيلوجراما من الحشيش و٣٢٦ كيلوجراما من الأفيون، وفي القضية رقم ١٥٣ جنايات عتاقة سنة ١٩٦٨، كان المضبوط ٨١٢ كيلوجراما من الحشيش و٤١٤ كيلوجراما من الأفيون، وفي القضية رقم ٤٤١ جنايات السويس سنة ١٩٦٧، كان المضبوط ٢٤٥ كيلوجراما من الحشيش و٩٣ كيلوجراما من الأفيون، وفي القضية رقم ١٩ جنايات عسكرية الإسماعيلية سنة ١٩٦٨ كان المضبوط ٢٢٠ كيلوجراما من الأفيون ١.
_________
١ لواء دكتور محمد نيازي حتاتة - الاتجار بالمخدرات وأثره على الأمن القومي - ص ١٧٠ - ١٧١.
1 / 56
وقد كشفت التحقيقات أن بعض تلك المخدرات كانت مخلوطة بسموم قاتلة، وملوثة بجراثيم أوبئة فتاكة، فاجتاحت المناطق التي وزعت فيها أمراض خطيرة، فالمخدرات وسيلة مدمرة في يد العدو أكثر فتكا من الأسلحة، لأن سمومها تنتشر في أبدان الشعب ببطء، ودون صخب أو انفجار أو دوي، بل الأدهى من ذلك أن أبناء الشعب يحملونها إلى إخوانهم وأبنائهم، كما أن خطرها باق في الأجيال اللاحقة لأن تأثير المخدرات على الأجنة في بطون أمهاتهم أمر ثابت ومعروف نتيجة التعاطي.
أخطار المخدرات: إن الدول الاستعمارية وإسرائيل تعمل على تعويق التنمية، وتعطيل قوى العمال والفلاحين والطلاب والموظفين، فقد اتضح من الأبحاث التي أجراها العلماء وقام بها الأطباء أن الآثار المباشرة للتخدير تعمل على تخفيض الإنتاج كما ونوعا، سواء عقليًا أو آليًا، كما تبين أن نقص الإنتاج وانخفاض مستواه، يزدادان بزيادة كمية المخدر المتعاطاة، وهذه النتائج تؤيدها المظاهر النفسية التي لوحظت على الأشخاص موضع التجربة والتي تدل على التعويق الذي يمر به الفرد أثناء العمل وتحت تأثير المخدر. وتدل نتائج البحوث التي أجريت على الأفيون ومشتقاته أن آثار هذه المخدرات الصحية والنفسية تصيب الوظيفة الإنتاجية للأفراد بضرر شديد. ومن أهم آثار الأفيون على الشخصية: العصبية والحساسية الشديدة والتوتر الانفعالي، وسوء الخلق وعدم الاكتراث والإهمال وانخفاض مستوى الإنتاج، وضعف القدرة على التكيف والتوافق الاجتماعي، والتدهور الخلقي، والتخلف الاقتصادي، وكل ذلك يفضي إلى التعطيل والبطالة والطفيلية، ويدفع المدمنين إلى الانزلاق في مهاوى الجريمة كالنصب والاحتيال وخيانة الأمانة والدعارة والسرقة، والانزلاق في تجارة المخدرات وترويجها. ويكفي لكي تدرك خطورة المخدرات أنه في أوائل الخمسينات من هذا القرن قدرت الأمم المتحدة عدد المتعاطين للحشيش في العالم بحوالي ٣٠٠ مليون نسمة، مع أن هذا التقرير تقريبي وغير دقيق لصعوبة الوصول إلى أعداد من يمارسون هذه العادة الذميمة، والتي تحرمها معظم المجتمعات، وعلى الرغم من أن هذا الرقم قديم مضى عليه أكثر من ثلاثين عاما، إلا أن له دلالته الخاصة على مدى شيوع المخدرات وانتشارها. وتشير الإحصاءات أن معظم المتعاطين
أخطار المخدرات: إن الدول الاستعمارية وإسرائيل تعمل على تعويق التنمية، وتعطيل قوى العمال والفلاحين والطلاب والموظفين، فقد اتضح من الأبحاث التي أجراها العلماء وقام بها الأطباء أن الآثار المباشرة للتخدير تعمل على تخفيض الإنتاج كما ونوعا، سواء عقليًا أو آليًا، كما تبين أن نقص الإنتاج وانخفاض مستواه، يزدادان بزيادة كمية المخدر المتعاطاة، وهذه النتائج تؤيدها المظاهر النفسية التي لوحظت على الأشخاص موضع التجربة والتي تدل على التعويق الذي يمر به الفرد أثناء العمل وتحت تأثير المخدر. وتدل نتائج البحوث التي أجريت على الأفيون ومشتقاته أن آثار هذه المخدرات الصحية والنفسية تصيب الوظيفة الإنتاجية للأفراد بضرر شديد. ومن أهم آثار الأفيون على الشخصية: العصبية والحساسية الشديدة والتوتر الانفعالي، وسوء الخلق وعدم الاكتراث والإهمال وانخفاض مستوى الإنتاج، وضعف القدرة على التكيف والتوافق الاجتماعي، والتدهور الخلقي، والتخلف الاقتصادي، وكل ذلك يفضي إلى التعطيل والبطالة والطفيلية، ويدفع المدمنين إلى الانزلاق في مهاوى الجريمة كالنصب والاحتيال وخيانة الأمانة والدعارة والسرقة، والانزلاق في تجارة المخدرات وترويجها. ويكفي لكي تدرك خطورة المخدرات أنه في أوائل الخمسينات من هذا القرن قدرت الأمم المتحدة عدد المتعاطين للحشيش في العالم بحوالي ٣٠٠ مليون نسمة، مع أن هذا التقرير تقريبي وغير دقيق لصعوبة الوصول إلى أعداد من يمارسون هذه العادة الذميمة، والتي تحرمها معظم المجتمعات، وعلى الرغم من أن هذا الرقم قديم مضى عليه أكثر من ثلاثين عاما، إلا أن له دلالته الخاصة على مدى شيوع المخدرات وانتشارها. وتشير الإحصاءات أن معظم المتعاطين
1 / 57
في العالم الإسلامي، كما أن الدول المنتجة أيضا تقع معظمها في العالم الإسلامي، مع أنها دول نامية في أمس الحاجة إلى يقظة أبنائها وجهودهم المخلصة من أجل التنمية والتقدم وتحسين الأحوال المعيشية.
المخدرات في العالم الإسلامي: فقد كانت زراعة الأفيون بتركيا هي المصدر الرئيسي الذي تغذي حركة الاتجار غير المشروع في الشرق الأوسط، وكان بعض الإنتاج التركي يصنع إلى باز مورفين على الحدود السورية التركية داخل مصانع بدائية، توطئة لنقلها إلى أوروبا لتحويله إلى مورفين وهوريين. إلا أن بعض الأفيون الناتج في إيران وأفغانستان وباكستان أخذ يتزايد تهريبه يومًا بعد يوم إلى منطقة الخليج العربي مع العمالة المتزايدة المتجهة إلى هذه البلاد للقيام بأعمال العمران والتنمية. وقد صرحت إيران بأنها قررت منع زراعة خشخاش الأفيون سنة ١٩٥٥ ثم عادت سنة ١٩٦٩ وصرحت بزراعته، مما أثار قلق الدول الأخرى، وكان المجتمع الدولي يطالب دائمًا بالحد من زراعة الحشيش والأفيون. ففي تركيا مثلا كان الأفيون يزرع في ٤٢ ولاية قبل سنة ١٩٦٧، تناقص إلى ١١ ولاية سنة ١٩٦٩، ثم تسع ولايات ١٩٧٠، لتصل إلى سبع ولايات سنة ١٩٧١، وكان مقررًا أن تنخفض إلى خمس ولايات سنة ١٩٧٢، مع إدخال نظام التراخيص إلى أن وصلنا إلى الدورة الرابعة والعشرين للجنة المخدرات الدولية التي عقدت بجنيف (من ٢٧ /٩- ٢١/ ١٠/ ١٩٧١) وإذا بممثل تركيا يعلن قرار حكومته التاريخي الصادر في ٢٩ يونية ١٩٧١ الذي يقضي بمنع زراعة الخشخاش وإنتاج الأفيون نهائيًا داخل حدود تركيا اعتبارًا من محصول خريف ١٩٧٢. إلا أن الإلغاء التركي إذا حقق في الإقلال من الأفيون التركي أو انعدامه في الأسواق، إلا أنه يخشى من ارتفاع الأسعار واتساع الزراعات في الدول الثلاث المجاورة لسد الفراغ، مما دفعها إلى المطالبة بالمساعدات الفنية والمادية لمواجهة الموقف وإحلال زراعات بديلة وتدعيم أجهزة الشرطة مع عقد الاتفاقيات فيما بينها للتصدي لمحاولات التهريب عبر الحدود المشتركة. أما بالنسبة لإيران فلم يتحسن الموقف بالنسبة للاتجار غير المشروع: فالأفيون يتدفق
المخدرات في العالم الإسلامي: فقد كانت زراعة الأفيون بتركيا هي المصدر الرئيسي الذي تغذي حركة الاتجار غير المشروع في الشرق الأوسط، وكان بعض الإنتاج التركي يصنع إلى باز مورفين على الحدود السورية التركية داخل مصانع بدائية، توطئة لنقلها إلى أوروبا لتحويله إلى مورفين وهوريين. إلا أن بعض الأفيون الناتج في إيران وأفغانستان وباكستان أخذ يتزايد تهريبه يومًا بعد يوم إلى منطقة الخليج العربي مع العمالة المتزايدة المتجهة إلى هذه البلاد للقيام بأعمال العمران والتنمية. وقد صرحت إيران بأنها قررت منع زراعة خشخاش الأفيون سنة ١٩٥٥ ثم عادت سنة ١٩٦٩ وصرحت بزراعته، مما أثار قلق الدول الأخرى، وكان المجتمع الدولي يطالب دائمًا بالحد من زراعة الحشيش والأفيون. ففي تركيا مثلا كان الأفيون يزرع في ٤٢ ولاية قبل سنة ١٩٦٧، تناقص إلى ١١ ولاية سنة ١٩٦٩، ثم تسع ولايات ١٩٧٠، لتصل إلى سبع ولايات سنة ١٩٧١، وكان مقررًا أن تنخفض إلى خمس ولايات سنة ١٩٧٢، مع إدخال نظام التراخيص إلى أن وصلنا إلى الدورة الرابعة والعشرين للجنة المخدرات الدولية التي عقدت بجنيف (من ٢٧ /٩- ٢١/ ١٠/ ١٩٧١) وإذا بممثل تركيا يعلن قرار حكومته التاريخي الصادر في ٢٩ يونية ١٩٧١ الذي يقضي بمنع زراعة الخشخاش وإنتاج الأفيون نهائيًا داخل حدود تركيا اعتبارًا من محصول خريف ١٩٧٢. إلا أن الإلغاء التركي إذا حقق في الإقلال من الأفيون التركي أو انعدامه في الأسواق، إلا أنه يخشى من ارتفاع الأسعار واتساع الزراعات في الدول الثلاث المجاورة لسد الفراغ، مما دفعها إلى المطالبة بالمساعدات الفنية والمادية لمواجهة الموقف وإحلال زراعات بديلة وتدعيم أجهزة الشرطة مع عقد الاتفاقيات فيما بينها للتصدي لمحاولات التهريب عبر الحدود المشتركة. أما بالنسبة لإيران فلم يتحسن الموقف بالنسبة للاتجار غير المشروع: فالأفيون يتدفق
1 / 58
من الحدود الشرقية والمورفين من الحدود الشمالية الغربية مع عصابات مسلحة مستخدمة كافة وسائل النقل، وشكلت الضبطيتان الرئيسيتان على الحدود الشرقية والتي بلغت إحداهما ١٢٢٨٢ كيلوجراما والثانية ٤٢٢٤ كيلوجراما من الأفيون نسبة ٨٠ % من مضبوطات عام ١٩٧٣ كما ضبط ستة معامل لصنع الهيروين في أذربيجان وطهران، وتزداد هذه الكميات في السنوات الأخيرة ١.
المخدرات والتنمية في لبنان: وتتضح مشكلة التنمية وعلاقتها بالمخدرات بأوضح صورة في لبنان: فهو المصدر الرئيسي لتغذية العالم العربي والإسلامي بالحشيش، الذي يزرع بقضائي بعلبك والهرمل من محافظة البقاع، وتأتي المغرب في المرتبة الثانية لتغذية شمال أفريقيا وأوروبا الغربية. وقد بلغت الزراعات بالمغرب سنة ١٩٦٨ ثلاثة آلاف هكتار، كما ضبط خمسون طنًا من الحشيش وتم إتلاف ٣٨ مليون شجرة. ويتسرب إنتاج إيران وأفغانستان وباكستان والهند من الحشيش إلى دول الخليج العربي بكميات متزايدة مع العمالة الوافدة إلى تلك البلاد، أما السودان فيكتفي ذاتيا بإنتاجه في الجنوب. وقد قام المشروع الأخضر اللبناني سنة ١٩٦٦ بهدف إحلال زراعات بديلة عن زراعات القنب الهندي وأوردت مذكرة رسمية لهذا المشروع بأن قضية إحلال الزراعات المفيدة محل الزراعات غير المشروعة باتت بالنسبة للبنان قضية حيوية لأنها مرتبطة برسالته التاريخية وسمعته الإقليمية والعالمية سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. ولكن اتضح أن المشروع يحتاج إلى رصف الطرق وتربية المواشي وإقامة مصانع الألبان وإنشاء المناحل وتربية الدواجن وزرع دوار الشمس والسمسم والفاكهة والذرة والبرسيم وفول الصويا والنباتات العطرية، وتوفير الميكنة الزراعية. وقد استجابت جميع المنظمات الدولية لمد يد العون إلى لبنان، إلا أنه اتضح أن منطقتي الهرمل وبعلبك تعتبران الحشيش مصدرًا رئيسيًا للدخل، وأن توفير الماء ضروري _________ ١ تقرير المكتب العربي لشئون المخدرات الفصل الأول - ص١٠ - ١١.
المخدرات والتنمية في لبنان: وتتضح مشكلة التنمية وعلاقتها بالمخدرات بأوضح صورة في لبنان: فهو المصدر الرئيسي لتغذية العالم العربي والإسلامي بالحشيش، الذي يزرع بقضائي بعلبك والهرمل من محافظة البقاع، وتأتي المغرب في المرتبة الثانية لتغذية شمال أفريقيا وأوروبا الغربية. وقد بلغت الزراعات بالمغرب سنة ١٩٦٨ ثلاثة آلاف هكتار، كما ضبط خمسون طنًا من الحشيش وتم إتلاف ٣٨ مليون شجرة. ويتسرب إنتاج إيران وأفغانستان وباكستان والهند من الحشيش إلى دول الخليج العربي بكميات متزايدة مع العمالة الوافدة إلى تلك البلاد، أما السودان فيكتفي ذاتيا بإنتاجه في الجنوب. وقد قام المشروع الأخضر اللبناني سنة ١٩٦٦ بهدف إحلال زراعات بديلة عن زراعات القنب الهندي وأوردت مذكرة رسمية لهذا المشروع بأن قضية إحلال الزراعات المفيدة محل الزراعات غير المشروعة باتت بالنسبة للبنان قضية حيوية لأنها مرتبطة برسالته التاريخية وسمعته الإقليمية والعالمية سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. ولكن اتضح أن المشروع يحتاج إلى رصف الطرق وتربية المواشي وإقامة مصانع الألبان وإنشاء المناحل وتربية الدواجن وزرع دوار الشمس والسمسم والفاكهة والذرة والبرسيم وفول الصويا والنباتات العطرية، وتوفير الميكنة الزراعية. وقد استجابت جميع المنظمات الدولية لمد يد العون إلى لبنان، إلا أنه اتضح أن منطقتي الهرمل وبعلبك تعتبران الحشيش مصدرًا رئيسيًا للدخل، وأن توفير الماء ضروري _________ ١ تقرير المكتب العربي لشئون المخدرات الفصل الأول - ص١٠ - ١١.
1 / 59
للإنتاج الزراعي، كما اتضح أن رقعة زراعة الحشيش في ازدياد مستمر، ولما كان مردود دوار الشمس لا يقارن بمردود الحشيش، كما أن للمهربين وسائلهم الشيطانية في إغراء المزارعين، فقد أصبحت هذه المشكلة تهدد التنمية في لبنان وفي الشرق الأوسط بوجه عام١.
ولذلك يجب على العالم العربي أن يتعاون بسرعة لإيقاف زراعة الحشيش في لبنان، ومساعدة البلاد على التنمية الزراعية، ودعم الزراعات المفيدة، وتطبيق قوانين إتلاف الزراعات المحظورة.
مشاكل القات والتنمية: لقد حظيت مشكلة القات باهتمام اللجنة الاستشارية بعصبة الأمم سنة ١٩٣٥ ونوقشت بدوراتها المختلفة ثم أحيلت إلى منطقة الصحة العالمية حيث أصدرت لجنة من خبرائها تقريرها الثالث عشر الذي نشر سنة ١٩٦٤ وتضمن " أن القات يشبه المواد من فضيلة الأمفيتامينات وأن الأعراض التسممية الناجمة عن الإسراف في المضغ تشبه تلك التي يسببها سوء استعمال الأمفيتامينات ". وقد خرج ممثل الأمم المتحدة من الدراسات الميدانية التي أجراها بكل من صنعاء وعدن وزيارته لبعض الأراضي المزروعة بالقات وتفقده للأسواق التي يباع فيها والتي يقبل عليها المواطنون إقبالًا منقطع النظير، أن زراعة القات قد عادت على اليمن الشمالية بأضرار صحية واقتصادية ينبغي أن تكون موضع الاعتبار عند النظر في معالجة المشكلة المتعمقة الجذور. وتتمثل بعض الأضرار الصحية لنبات القات في فقدان الشهية وسوء التغذية والتعرض للأمراض المعدية كالسل وإضعاف القدرة الجنسية لدى الرجال والتفكك الأسري وغير ذلك. غير أن ما يسترعى النظر ما أبلغت به جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سكرتارية الأمم المتحدة من أنها لاحظت أن القات يستهلك مخلوطًا بمواد مخدرة أو منشطة أخرى - وأنها ضبطت ثلاث حالات كان القات فيها مخلوطًا بالمورفين، واثنتي عشرة حالة مخلوطا بالأفيون، وإحدى وعشرين حالة مخلوطًا بالموباريتال، وثلاث حالات بالمسكرات، وهذه ظاهرة جديدة لاستهلاك القات مخلوطًا بمواد مخدرة أكثر خطورة. _________ ١ التقرير السابق - ص١٧.
مشاكل القات والتنمية: لقد حظيت مشكلة القات باهتمام اللجنة الاستشارية بعصبة الأمم سنة ١٩٣٥ ونوقشت بدوراتها المختلفة ثم أحيلت إلى منطقة الصحة العالمية حيث أصدرت لجنة من خبرائها تقريرها الثالث عشر الذي نشر سنة ١٩٦٤ وتضمن " أن القات يشبه المواد من فضيلة الأمفيتامينات وأن الأعراض التسممية الناجمة عن الإسراف في المضغ تشبه تلك التي يسببها سوء استعمال الأمفيتامينات ". وقد خرج ممثل الأمم المتحدة من الدراسات الميدانية التي أجراها بكل من صنعاء وعدن وزيارته لبعض الأراضي المزروعة بالقات وتفقده للأسواق التي يباع فيها والتي يقبل عليها المواطنون إقبالًا منقطع النظير، أن زراعة القات قد عادت على اليمن الشمالية بأضرار صحية واقتصادية ينبغي أن تكون موضع الاعتبار عند النظر في معالجة المشكلة المتعمقة الجذور. وتتمثل بعض الأضرار الصحية لنبات القات في فقدان الشهية وسوء التغذية والتعرض للأمراض المعدية كالسل وإضعاف القدرة الجنسية لدى الرجال والتفكك الأسري وغير ذلك. غير أن ما يسترعى النظر ما أبلغت به جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سكرتارية الأمم المتحدة من أنها لاحظت أن القات يستهلك مخلوطًا بمواد مخدرة أو منشطة أخرى - وأنها ضبطت ثلاث حالات كان القات فيها مخلوطًا بالمورفين، واثنتي عشرة حالة مخلوطا بالأفيون، وإحدى وعشرين حالة مخلوطًا بالموباريتال، وثلاث حالات بالمسكرات، وهذه ظاهرة جديدة لاستهلاك القات مخلوطًا بمواد مخدرة أكثر خطورة. _________ ١ التقرير السابق - ص١٧.
1 / 60
وتتضح خطورة المخدرات على التنمية إذا ما عرفنا أن اليمن كانت من أشهر مصدري البن الممتاز في العالم، ولكن طغت شجرة القات على شجرة البن بسبب إقبال المواطنين على " تخزين " أوراق القات ومضغها.
وشجرة القات تعمر عشرين عامًا، ولا تحتاج إلى أرض خصبة، وتصمد للآفات وفضلًا عن ذلك فهي تدر ألف ريال في العام، وتصدر أوراقها من صنعاء إلى عدن بما قيمته ثمانون ألف جنيه إسترليني شهريًا. إنه إغراء الشيطان الذي يلعب بالعقول! فشجرة البن موسمية لا تدر على صاحبها سوى ستين ريالًا سنويًا، ولا تنبت إلا في أرض خصبة، ولا تقاوم الآفات، واستيلاء الحكومة على جزء من المحصول كضريبة، يقابله إعراض اليمنيين عن تعاطي البن واستهلاك قشرته، مما أدى إلى انخفاض صادرات اليمن من البن إلى ثلاثة آلاف طن بعد أن كانت تصدر ستة عشر ألف طن سنويًا.
والنتيجة أن الجمهورية العربية اليمنية تخسر سنويًا ما يزيد على ثلاثة آلاف وخمسمائة مليون ساعة هو الوقت الهائل الذي يضيع على أبناء اليمن بسبب مضغ أوراق القات وتخزينه وهو وقت تتبين قيمته في التنمية المطلوبة لهذا البلد الإسلامي، فيصيب اقتصادها بخسائر فادحة، فضلًا عن ألف مليون ريال ثمنًا للقات الذي يستهلكه المواطنون ١.
والعجيب أن تأتي قوائم الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لعام ١٩٦١، وقوائم اتفاقية المواد النفسية لعام ١٩٧١ خالية من إدراج القات الذي ثبتت أضراره الصحية والاقتصادية والاجتماعية على شعوب بأكملها. ولعل السبب في ذلك أن الهيئات الدولية تعتبر القات مشكلة إقليمية مقصورة على جنوب الجزيرة العربية وشرق أفريقيا، وأن القات تمضغ أوراقه طازجة ولا يتحمل التصدير إلى مناطق أخرى بعيدة عن مناطق إنتاجه خشية ذبوله وضياع تأثيره الفعال.
ولقد وافق المشتركون في ندوة القادة الإداريين التي عقدت بصنعاء من ١٥ - ٢١ مايو ١٩٧٢ على قرار ينص: " على اعتبار القات كارثة وطنية وتحريم القات بين كافة العاملين في
_________
١ نفس التقرير - ص - ٢٩ - ٣٠.
1 / 61
الدولة واقتلاع أشجاره من أراضي الحكومة والأوقاف وامتناع وزارتي المواصلات والزراعة عن تقديم أي مساعدة لزراع القات ".
كما تقدم المكتب الدولي العربي لشئون المخدرات بمقترحات أهمها دراسة حجم المشكلة وأبعادها، وتشجيع وسائل الإعلام على معالجة المشكلة على كافة المستويات مستعينة بمنظمة اليونسكو وخبرتها في هذا المجال لبيان أضرار القات الصحية والاجتماعية.
كما اقترح دراسة إحلال زراعات بديلة يكون مردودها مجزيًا وموازيًا لمردود شجرة القات، وعلى رأسها شجرة البن التي اشتهرت بها اليمن منذ أقدم العصور، وإعفاء شجرة البن من الضريبة وتقديم دعم حكومي ودولي للزارعين، على أن تدخل اليمن منظمة البن الدولية لتستطيع الحصول على حصة تمكنها من تصدير محصولها للأسواق العالمية.
هذا بالإضافة لضرورة تنشيط البرامج الرياضية والثقافية وشغل أوقات الفراغ بالعمل الإيجابي البناء الذي يتناسب مع البيئة والظروف الاجتماعية، وأن يعني بخطة التنمية وتنفيذ برامجها بعزم لا يلين علاجًا لمشكلة القات، ودفعًا لخطرها الداهم على المواطنين الذين ينهضون بعبء التنمية.
الجهود الدينية والإعلامية: وقد تكون آمال التنمية عريضة ضخمة، وإيقاع سريعًا لدرجة لا تتمشى مع قدرة بعض الناس، وهنا ينبغي أن نحذر عند تطبيق خطة التنمية، حتى لا يكون لها ضحايا من الذين تسول لهم نفوسهم المريضة، ونزغات الشيطان، وبطانة السوء التردي في هوة المخدرات لعدم إمكانهم ملاحقة التنمية في سرعتها أو في اختلافها الشديد عما عهدوه من عادات وأساليب في الحياة. لذلك تلعب وسائل الإعلام دورًا هامًا في التوعية، وتوفير مناخ عام مواتٍ للتغيير المنشود مع بيان أبعاده ونتائجه المرجوة. كما تعني التربية الدينية بخلق روح معنوية عالية في نفوس النشء لتحصينهم ضد التورط في الوقوع في التهلكة.
الجهود الدينية والإعلامية: وقد تكون آمال التنمية عريضة ضخمة، وإيقاع سريعًا لدرجة لا تتمشى مع قدرة بعض الناس، وهنا ينبغي أن نحذر عند تطبيق خطة التنمية، حتى لا يكون لها ضحايا من الذين تسول لهم نفوسهم المريضة، ونزغات الشيطان، وبطانة السوء التردي في هوة المخدرات لعدم إمكانهم ملاحقة التنمية في سرعتها أو في اختلافها الشديد عما عهدوه من عادات وأساليب في الحياة. لذلك تلعب وسائل الإعلام دورًا هامًا في التوعية، وتوفير مناخ عام مواتٍ للتغيير المنشود مع بيان أبعاده ونتائجه المرجوة. كما تعني التربية الدينية بخلق روح معنوية عالية في نفوس النشء لتحصينهم ضد التورط في الوقوع في التهلكة.
1 / 62
ولا شك أن تقوية الشعور الديني، وتربية الضمير الإسلامي، وتنشيط الضوابط الدينية والأخلاقية عن طريق تبيان موقف هذه من كل ما من شأنه التأثير الضار على العقل الذي هو عنوان قيمة الإنسان، خير سبيل لإعداد الشباب لمرحلة التنمية. والمخاطب دائما هو العقل الواعي الذي منحه الله تعالى للإنسان لاستئناس البيئة المادية والسيطرة عليها، كما سخرها الله له، ولكن هذه الطاقات الذهنية بحاجة دائمة إلى التوجيه والتدريب.
غير أن للإنسان خصيصة أخرى أساسية هي الاجتماع والتعاون مع الآخرين، وشخصية الإنسان تنمي عن طريق الأسرة والجماعة على أسس سليمة الشريعة الإسلامية الغراء، وبذلك تتحقق التنمية الإنسانية التي تكفل الاستقرار والطمأنينة والقدرة على التفكير الهادئ والارتقاء، وكسب الثقة بالناس بعد الثقة بالله ﷾، وكذلك الثقة بالنفس، لأن فقدان الثقة يؤدي إلى الانسحاب، والاستغراق في أنشطة سلبية وشاذة. لعلها أهمها وأخطرها تعاطي المخدرات.
ويقوم الإعلام بوسائله المتعددة من صحافة وإذاعة مسموعة وإذاعة مرئية بواجب تثبيت المثل والقيم والتشكيك في الأمور المنبوذة حتى تهتز وتنهار، وهو أسلوب فعال يمكن أن تكون له فعالية كبيرة مع انتشار وسائل الإعلام في العصر الحديث. ولابد من وضع برامج هادفة من أجل حماية المجتمع من شرور المخدرات، كهدف أصيل يتوجه إلى كافة المستويات الاجتماعية والفكرية.
ولما كان الفراغ يجر إلى الملل والسآمة، فلا بد من تمضية وقت فراغ الشباب بكل ما هو نافع لهم ومفيد لتربيتهم. وخاصة أثناء العطلات المدرسية، والإجازات الطويلة، مع العناية بالساحات الرياضية والأنشطة الثقافية.
المخدرات والأسرة: ولا تنجح جهود التنمية في دولة ما دون أن ترتكز على دعم الأسرة، باعتبارها الخلية الرئيسية في البناء الاجتماعي ومن الثابت أن الشخصية الإنسانية تتكون جذورها في أحضان الأسرة، وتتأثر بالعلاقات الاجتماعية في نطاقها، وإن أي خلل فيها ينعكس بالضرورة على أفرادها، ويصيبهم بالأمراض النفسية والاجتماعية التي تعطل مسيرة التنمية.
المخدرات والأسرة: ولا تنجح جهود التنمية في دولة ما دون أن ترتكز على دعم الأسرة، باعتبارها الخلية الرئيسية في البناء الاجتماعي ومن الثابت أن الشخصية الإنسانية تتكون جذورها في أحضان الأسرة، وتتأثر بالعلاقات الاجتماعية في نطاقها، وإن أي خلل فيها ينعكس بالضرورة على أفرادها، ويصيبهم بالأمراض النفسية والاجتماعية التي تعطل مسيرة التنمية.
1 / 63
ولا شك أن تعاطي المخدرات يشكل عبئًا ثقيلًا على اقتصاديات الأسرة وميزانيتها. حيث ينفق الوالد جل دخله، بل قد يقترض أحيانًا إذا ما سقط فريسة للإدمان وخاصة الأفيون، للحصول على المخدر ومستلزماته، مما يؤثر بالطبع تأثيرًا خطرًا على الحالة المعيشية العامة للأسرة من النواحي السكنية والغذائية والصحية والتعليمية والأخلاقية، فلا يستطيع أفراد الأسرة الحصول على احتياجاتهم الأساسية اللازمة للمعيشة الكريمة.
وقد تضطر الأم للعمل، بل إنها قد تتعرض للتشرد والانحراف، وقد تصاب بأمراض خبيثة جسمية ونفسية، وقد ينحرف الأبناء ويتورطون في ارتكاب الجرائم، أو يقومون بأعمال غير مشروعة أو غير أخلاقية، وهكذا تأكل المخدرات ميزانية الأسرة، وتهلك روحها المعنوية، وتقضي على أخلاقها، وتعطل إنتاجها، وتشل نشاطها، فتصبح الأسرة عبئًا على التنمية وبدلًا من كونها عاملًا من عوامل تنشيطها ودعمها.
وإذا عرفنا أن تعاطي المخدرات أكثر انتشارًا بين الطبقات العاملة من العمال والفلاحين والصناع والحرفيين، لأدركنا مدى حجم الخسارة على مشروعات التنمية في العالم الإسلامي، وهي خسارة فادحة تصيب الأفراد والأموال والمجتمعات، وتهدد بتوقف عمليات التنمية وشللها.
ولما كان الإنفاق الكبير على المخدرات يعطل توفير الحاجات الضرورية لأفراد الأسرة، فإنه فضلًا عن ضعف الأطفال وهزالهم، وتعريضهم لأمراض سوء التغذية، وغيرها من الأمراض الخطيرة، فإن إشاعة روح عدم الاكتراث، وعدم تقدير المسئولية من جانب المتعاطي، مع إهمال الواجب، يعطي نموذجًا سيئًا لأفراد الأسرة، ويقدم لهم قدوة شريرة وغير أخلاقية، فلا ينشأ لدى الأبناء إحساس بأداء الواجب، ولا شعور بالمسئولية، فيشبون عالة على غيرهم، وطفيليين على مجتمعاتهم.
المخدرات والجريمة: ويزيد الطين بلة تعاطي الأفيون، لأنه يؤدي إلى أمراض نفسية وخيمة، وعلل
المخدرات والجريمة: ويزيد الطين بلة تعاطي الأفيون، لأنه يؤدي إلى أمراض نفسية وخيمة، وعلل
1 / 64
جسمية فتاكة، وتشجر الخلافات بين أفراد الأسرة، ويزداد الصخب بين الزوج وزوجته وأولاده، وقد يلجأ إلى العنف والضرب والسب والمقاطعة والمطاردة، ويمتد تأثير هذه الحالة الشاذة إلى خارج نطاق الأسرة ثم الجيران، فضلا عن الفضائح في نطاق العمل، فيتعطل الإنتاج، ويعم الخراب داخل الأسرة وخارجها.
وبالإضافة إلى هذه الآثار الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة، تصاب الأسرة بحالات مختلفة من القلق والتوتر وعدم الاستقرار لوجود المخدرات - وهي محظورة بحكم الأنظمة - كما يسهر المتعاطون سهرات حمراء في البيوت ويحولونها إلى مواخير للفساد، وبؤر للشرور.
وقد ذكرت الغالبية العظمى من متعاطي المخدرات أنهم ليسوا على وفاق مع زوجاتهم، وفي هذا الجو المفعم بالانحراف، لا ينشأ شباب يعول الوطن عليه، بل تصدر هذه الأسر أشقياء صغارًا، ومجرمين ينخرون في عظام المجتمع كالسوس المهلك، ولا يمكن الاعتماد عليهم في تنفيذ خطط التنمية، لأنهم أنفسهم مشكلات تنتظر الحل، وتزيد المشكلات المتراكمة تعقيدًا.
وحتى إذا أودع الأطفال دور الإصلاح أو رعاية الأحداث، ودخل الكبار السجون بعد ضبطهم يتعاطون المخدرات، فإن مصيبتهم تصبح أدهى وأمر داخل جدران السجون، حيث يتأثرون بمخالطيهم من السجناء، ويصبح السجن مرتعًا خصبًا لتبادل الخبرات الشريرة وحافزًا لارتكاب جرائم جديدة بأساليب ماكرة خبيثة.
وكثيرًا ما تلجأ العصابات الإجرامية إلى تجنيد أعضاء جدد من بين السجناء، فإذا أضفنا إلى ذلك ما يلقاه متعاطي المخدرات من معاملة شاذة بعد خروجه من السجن، إذ أنه يفقد عمله، ويتعرض لاحتقار زملائه، وازدراء أصدقائه، وتحفظ أقاربه إزاءه، لأدركنا مدى استعداده للسقوط في السلوك الإجرامي، فقد يلجأ إلى السرقة، أو الاختلاس أو التورط في عصابات الدعارة من أجل الحصول على المخدر - وهذه كلها تعطل مسيرة التنمية، وتشل حركة التقدم.
وكثيرًا ما تكون عصابات المخدرات التي تقوم بالتهريب والاتجار غير المشروع والتوزيع متورطة في أنواع أخرى من الأنشطة الإجرامية، مثل المافيا، وهي عصابات ذات شهرة دولية تمارس نشاطها الإجرامي في إيطاليا وأمريكا اللاتينية وغيرها من الدول، وهي
1 / 65
تستغل عبودية المتعاطي للمخدر، وعدم قدرته على شرائه، لإجباره على المشاركة في أعمالها الإجرامية وتدريبه عليها، كأن تجبر النساء على ممارسة البغاء أو الرجال على التهريب أو السرقة أو الاختلاس أو إخفاء المسروقات أو التجسس على أسرار بلادهم.
ضحايا التنمية: إن التنمية تقوم على أكتاف الرجال الذين يعملون بجد ونشاط لبناء الحضارة، وهي تقوم على أساس من التفكير العلمي السليم والتخطيط المحكم الدقيق، والتدريب المستمر لكشف القدرات، وكسب المهارات، لأن الإنسان بطبيعته في حالة تطور دائم، ونمو لا يتوقف. غير أن التجديد في ممارسة الحياة، كالانتقال من الحياة الرعوية إلى الصناعة، أو من الزراعة إلى الحياة الحضرية، أو تطوير المدن من الحارات الضيقة إلى الأحياء الفسيحة بشوارعها العريضة، ومواصلاتها المتقدمة، والانتقال من عصر الدواب إلى عصر البخار ثم الكهرباء فالذرة والطاقة الشمسية، كل ذلك لا يتم بسهولة ويسر، وإنما يتطلب تعليمًا وتدريبًا وتوافقًا، فالتنمية الاقتصادية والاجتماعية تنطوي على أعباء ومسئوليات، وتتطلب واجبات واكتساب عادات جديدة ومهارات شتى. وقد تقصر بعض الهمم دون بلوغ غاياتها المرموقة، فتؤثر السلبية والهروب إلى عالم الأحلام، أو التردي في الفكر الهدام، أو أخطر من ذلك تعاطي المخدرات. ولا قيمة لتنمية يكون ثمنها ضياع الشباب وهلاك الإنسان، وأي تنمية لا تؤدي إلى خدمة الإنسان واستقراره ورقيه لا جدوى منها، لأن النهضة الناجحة تؤدي إلى سعادة الفرد والمجتمع. فإذا كان التصنيع يحمل في طياته خطر التحول من القيم المتكافلة المترابطة المتماسكة إلى حياة فردية متنافسة متدابرة، يحل فيها الصراع الطبقي محل التواد والتعاون والتآزر، فإن شره خطير ومستطير، ولا شك أن إهمال تعاليم الدين من أهم العوامل المؤدية إلى حالات الاكتئاب النفسي والضياع وفقدان الثقة، مما يؤدي إلى الارتماء في أحضان المخدرات. ومن معوقات التنمية تلك الهوة السحيقة الفاصلة بين التطور التكنولوجي الصناعي الاقتصادي، والتطور الاجتماعي والنفسي، إذ أنه من السهل إقامة مصنع من المصانع المتطورة،
ضحايا التنمية: إن التنمية تقوم على أكتاف الرجال الذين يعملون بجد ونشاط لبناء الحضارة، وهي تقوم على أساس من التفكير العلمي السليم والتخطيط المحكم الدقيق، والتدريب المستمر لكشف القدرات، وكسب المهارات، لأن الإنسان بطبيعته في حالة تطور دائم، ونمو لا يتوقف. غير أن التجديد في ممارسة الحياة، كالانتقال من الحياة الرعوية إلى الصناعة، أو من الزراعة إلى الحياة الحضرية، أو تطوير المدن من الحارات الضيقة إلى الأحياء الفسيحة بشوارعها العريضة، ومواصلاتها المتقدمة، والانتقال من عصر الدواب إلى عصر البخار ثم الكهرباء فالذرة والطاقة الشمسية، كل ذلك لا يتم بسهولة ويسر، وإنما يتطلب تعليمًا وتدريبًا وتوافقًا، فالتنمية الاقتصادية والاجتماعية تنطوي على أعباء ومسئوليات، وتتطلب واجبات واكتساب عادات جديدة ومهارات شتى. وقد تقصر بعض الهمم دون بلوغ غاياتها المرموقة، فتؤثر السلبية والهروب إلى عالم الأحلام، أو التردي في الفكر الهدام، أو أخطر من ذلك تعاطي المخدرات. ولا قيمة لتنمية يكون ثمنها ضياع الشباب وهلاك الإنسان، وأي تنمية لا تؤدي إلى خدمة الإنسان واستقراره ورقيه لا جدوى منها، لأن النهضة الناجحة تؤدي إلى سعادة الفرد والمجتمع. فإذا كان التصنيع يحمل في طياته خطر التحول من القيم المتكافلة المترابطة المتماسكة إلى حياة فردية متنافسة متدابرة، يحل فيها الصراع الطبقي محل التواد والتعاون والتآزر، فإن شره خطير ومستطير، ولا شك أن إهمال تعاليم الدين من أهم العوامل المؤدية إلى حالات الاكتئاب النفسي والضياع وفقدان الثقة، مما يؤدي إلى الارتماء في أحضان المخدرات. ومن معوقات التنمية تلك الهوة السحيقة الفاصلة بين التطور التكنولوجي الصناعي الاقتصادي، والتطور الاجتماعي والنفسي، إذ أنه من السهل إقامة مصنع من المصانع المتطورة،
1 / 66
أو استيراد آلة الكترونية معقدة، ولكن من الصعب توفير العمال والفنيين اللازمين لإدارة المصنع وتشغيل الآلات الدقيقة، مع المحافظة على استقرارهم وتكامل شخصياتهم.
ففي أثناء عملية التحول، يجد الناس مشقة في التوافق مع الحياة الجديدة، وأمام عجزه عن تمثل السمات الضرورية للعمل الحديث، واكتساب المهارات اللازمة له، قد يشعر بالإحباط، ويحس بالفشل، وعدم القدرة على التعامل مع الواقع الجديد، فيلجأ إلى استجابات تعويضية سلبية عاجزة، فينغمس في شرب الخمر، أو يسقط في هوة تعاطي المخدرات، التماسًا لسعادة موهومة، وهروبًا إلى هلوسة. تصوره عملاقًا عبقريًا، والآخرين أقزامًا عاجزين، فيضر بذلك نفسه وأسرته ومجتمعه وأمته.
المخدرات والفئات العامة ... المخدرات والفئات العاملة: لقد ثبت من الإحصاءات أن المخدرات تنتشر بين الفئات العاملة، وتجتاح الشباب والطلاب، ومن هنا ندرك خطورة المخدرات على التنمية، ومدى فداحة الضرر الذي يصيب الإنتاج نتيجة تعاطي المسكرات والمخدرات. فبدلا من تدريب العمال وتعليم الشباب القدرة على الانضباط، ومراعاة الدقة المتناهية في العمل الصناعي والبحث العلمي، وتعويدهم على الإدراك الواعي السليم، يتعرضون لأذى المخدرات التي تورث تخلفًا في الإنتاج، واضطرابًا في إدراك الزمن. واهتزازًا في إدراك الأصوات، وغموضًا في وضوح الرؤية، واختلالًا في إدراك الأحجام والألوان. فضلًا عن اضطراب في الذاكرة، وانخفاض كفاءة التفكير، وكل ذلك يطيح بجهود التنمية ويبدد آمال التصنيع والتقدم، ويشتت برامج التقدم ويعطلها. وتدل الأبحاث التي أجريت على المدمنين في تونس على أنهم متدهورون في عملهم وتقل صلاحيتهم تدريجيًا وثمة ارتباط وثيق بين حالات التدهور في القدرات العقلية وبين إدمان الحشيش في الحالات الخطيرة. أما الموظفون الذين عرفوا بالنشاط ورجال الأعمال الذين كانوا موضع ثقة، فإنهم يتأثرون في أخلاقهم وكفاءتهم الإنتاجية، ويتحولون بفعل المخدر إلى أشخاص يفتقرون إلى الطاقة المهنية والحماس والإرادة اللازمة لتحقيق واجباتهم العادية المألوفة.
المخدرات والفئات العامة ... المخدرات والفئات العاملة: لقد ثبت من الإحصاءات أن المخدرات تنتشر بين الفئات العاملة، وتجتاح الشباب والطلاب، ومن هنا ندرك خطورة المخدرات على التنمية، ومدى فداحة الضرر الذي يصيب الإنتاج نتيجة تعاطي المسكرات والمخدرات. فبدلا من تدريب العمال وتعليم الشباب القدرة على الانضباط، ومراعاة الدقة المتناهية في العمل الصناعي والبحث العلمي، وتعويدهم على الإدراك الواعي السليم، يتعرضون لأذى المخدرات التي تورث تخلفًا في الإنتاج، واضطرابًا في إدراك الزمن. واهتزازًا في إدراك الأصوات، وغموضًا في وضوح الرؤية، واختلالًا في إدراك الأحجام والألوان. فضلًا عن اضطراب في الذاكرة، وانخفاض كفاءة التفكير، وكل ذلك يطيح بجهود التنمية ويبدد آمال التصنيع والتقدم، ويشتت برامج التقدم ويعطلها. وتدل الأبحاث التي أجريت على المدمنين في تونس على أنهم متدهورون في عملهم وتقل صلاحيتهم تدريجيًا وثمة ارتباط وثيق بين حالات التدهور في القدرات العقلية وبين إدمان الحشيش في الحالات الخطيرة. أما الموظفون الذين عرفوا بالنشاط ورجال الأعمال الذين كانوا موضع ثقة، فإنهم يتأثرون في أخلاقهم وكفاءتهم الإنتاجية، ويتحولون بفعل المخدر إلى أشخاص يفتقرون إلى الطاقة المهنية والحماس والإرادة اللازمة لتحقيق واجباتهم العادية المألوفة.
1 / 67
والحشيش يجعل من الذين يتعاطونه أشخاصًا كسالى سطحيين غير موثوق بهم، ذوي اتجاهات خشنة، وكلها صفات لم تكن معروفة عنهم قبل التعاطي، وبالإضافة إلى ذلك يظهر الإهمال واضحًا في سلوكهم كما تنحرف مشاعرهم العادية ومداركهم العقلية ومعاييرهم الأخلاقية.
وفي دراسة أخرى حول متعاطي الحشيش بين أفراد الجيش الأمريكي، وجد أن الجنود المتعاطين كانوا يتركون معسكراتهم دون اكتراث ويذهبون لتعاطي الحشيش بالرغم من علمهم أن ذلك يعرضهم للمحاكمة العسكرية، مما يدل على الإهمال وعدم المبالاة.
المخدرات والشباب والجاسوسية: ومما يؤسف له أن كثيرا من شباب الدول النامية يترددون في أوحال المخدرات، فيتأخرون ويؤخرون تنمية بلادهم، فبدلًا من العمل على إنجاز خطط التنمية وتنفيذ برامجها الإصلاحية، نجد أنهم يتعرضون لمخاطر الجهل والجوع والمرض، ويفسدون عقولهم ويخربون نفوسهم، ويعرضون حياتهم لأشد المخاطر، وينزلقون في مهاوي الجريمة، وبدلًا من الانخراط في العمل الإيجابي البناء، نجدهم يلوذون بالهروب والانسحاب باستخدام المسكرات والمخدرات. وتكمن المأساة الحقيقية في أن الدول الإسلامية في مسيس الحاجة إلى طاقات أبنائها، وعقول شبابها، وسواعد رجالها من أجل البناء والتعمير والتشييد على نحو ما أمرهم الله تعالى به، بيد أن المخدرات تبدد الطاقات، وتعطل النشاط، وتعوق التنمية، وتصرف الناس عن الواقع، وتنأى بهم إلى عالم الأوهام والأحلام المريضة. ولعل أخطر ما ألم بالشباب من مصائب تقليدهم لفئات تسمى (الهيبيز) في أوروبا وأمريكا، وفئات الاشتراكية الجديدة - وهؤلاء وأولئك يتخذون من تعاطي المخدرات تعبيرًا عن التمرد، وأسلوبًا للرفض والاحتجاج. فكأن تعاطي المخدرات أصبح مذهبًا فكريًا يعتنقه الشباب الساخط في العالم الغربي والعالم الشيوعي، ثم يأتي شبابنا فيقع فريسة التقليد الأعمى ويسير على نهج هؤلاء الأشقياء. ولقد استغل مهربو المخدرات إقبال الشباب على اعتناق هذه المبادئ الهدامة، فأوقعهم
المخدرات والشباب والجاسوسية: ومما يؤسف له أن كثيرا من شباب الدول النامية يترددون في أوحال المخدرات، فيتأخرون ويؤخرون تنمية بلادهم، فبدلًا من العمل على إنجاز خطط التنمية وتنفيذ برامجها الإصلاحية، نجد أنهم يتعرضون لمخاطر الجهل والجوع والمرض، ويفسدون عقولهم ويخربون نفوسهم، ويعرضون حياتهم لأشد المخاطر، وينزلقون في مهاوي الجريمة، وبدلًا من الانخراط في العمل الإيجابي البناء، نجدهم يلوذون بالهروب والانسحاب باستخدام المسكرات والمخدرات. وتكمن المأساة الحقيقية في أن الدول الإسلامية في مسيس الحاجة إلى طاقات أبنائها، وعقول شبابها، وسواعد رجالها من أجل البناء والتعمير والتشييد على نحو ما أمرهم الله تعالى به، بيد أن المخدرات تبدد الطاقات، وتعطل النشاط، وتعوق التنمية، وتصرف الناس عن الواقع، وتنأى بهم إلى عالم الأوهام والأحلام المريضة. ولعل أخطر ما ألم بالشباب من مصائب تقليدهم لفئات تسمى (الهيبيز) في أوروبا وأمريكا، وفئات الاشتراكية الجديدة - وهؤلاء وأولئك يتخذون من تعاطي المخدرات تعبيرًا عن التمرد، وأسلوبًا للرفض والاحتجاج. فكأن تعاطي المخدرات أصبح مذهبًا فكريًا يعتنقه الشباب الساخط في العالم الغربي والعالم الشيوعي، ثم يأتي شبابنا فيقع فريسة التقليد الأعمى ويسير على نهج هؤلاء الأشقياء. ولقد استغل مهربو المخدرات إقبال الشباب على اعتناق هذه المبادئ الهدامة، فأوقعهم
1 / 68