139

Turuq Hukmiyya

الطرق الحكمية في السياسة الشرعية

Publisher

مكتبة دار البيان

Edition Number

بدون طبعة وبدون تاريخ

وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إذَا رُوِيَ عَنْهُ الْحَدِيثُ، فَكَيْفَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ؟
وَلَا يُقَالُ: بَابُ الرِّوَايَةِ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ، فَيَحْتَاطُ لَهَا، مَا لَا يَحْتَاطُ لِلرِّوَايَةِ، فَهَذَا كَلَامٌ جَرَى عَلَى أَلْسُنِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، وَهُوَ عَارٍ عَنْ التَّحْقِيقِ وَالصَّوَابِ، فَإِنَّ أَوْلَى مَا ضُبِطَ وَاحْتِيطَ لَهُ: الشَّهَادَةُ عَلَى الرَّسُولِ ﷺ وَالرِّوَايَةُ عَنْهُ، فَإِنَّ الْكَذِبَ عَلَيْهِ لَيْسَ كَالْكَذِبِ عَلَى غَيْرِهِ.
وَإِنَّمَا رُدَّتْ الشَّهَادَةُ بِالْعَدَاوَةِ وَالْقَرَابَةِ وَالْأُنُوثَةِ دُونَ الرِّوَايَةِ، لِتَطَرُّقِ التُّهْمَةِ إلَى شَهَادَةِ الْعَدُوِّ وَشَهَادَةِ الْوَلَدِ، وَخَشْيَةِ عَدَمِ ضَبْطِ الْمَرْأَةِ وَحِفْظِهَا، وَأَمَّا الْعَبْدُ: فَمَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ يَتَطَرَّقُ إلَى الْحُرِّ سَوَاءٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِي ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، فَالْمَعْنَى الَّذِي قُبِلَتْ بِهِ رِوَايَتُهُ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي تُقْبَلُ بِهِ شَهَادَتُهُ، وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي رُدَّتْ بِهِ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ وَالْقَرَابَةِ وَالْمَرْأَةِ فَلَيْسَ مَوْجُودًا فِي الْعَبْدِ.
وَأَيْضًا، فَإِنَّ الْمُقْتَضَى لِقَبُولِ شَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَدَالَتُهُ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ بِصِدْقِهِ، وَعَدَمُ تَطَرُّقِ التُّهْمَةِ إلَيْهِ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الْعَبْدِ، فَالْمُقْتَضَى مَوْجُودٌ وَالْمَانِعُ مَفْقُودٌ، فَإِنَّ الرِّقَّ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا، فَإِنَّهُ لَا يُزِيلُ مُقْتَضَى الْعَدَالَةِ، وَلَا تَطَرُّقَ تُهْمَةٍ، كَيْفَ وَالْعَبْدُ الَّذِي يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ سَيِّدِهِ لَهُ أَجْرَانِ حَيْثُ يَكُونُ لِلْحُرِّ أَجْرٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ هُمْ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَلِهَذَا قَبِلَ

1 / 141