الجزء الأول: العهد الجديد
وهي محاولة لتحقيق صحة الوحي في التاريخ ابتداء من مراحل الوحي السابقة على المرحلة الأخيرة أعني التوراة والإنجيل، أو كما يقال بلغة أهل الكتاب. العهد القديم والعهد الجديد سواء من حيث فهم النصوص أو من حيث سلوك أهل الكتاب، وهو مساهمة منا بالبحث عن الوحي السابق وإعادة التحقيق من صحته، واستعمال مناهج النقل التاريخي - الشفاهي أو الكتابي - من أجل الوصول إلى درجة من درجات اليقين بالنسبة للنصوص الدينية، مساهمة منا لأهل الكتاب في التعرف على كتبهم المقدسة تمحيصا وفهما وسلوكا، وفي نفس الوقت يكون تحقيقا للفروض الإسلامية الخاصة بها، فروض التحريف والتغيير والتبديل والإخفاء والزيادة والنقصان، وقد نشأ النقد التاريخي الأوروبي للقيام بهذه المهمة وانتهى إلى نفس الفروض الإسلامية .
29
وفي هذا الجزء تتم مراجعة العهد الجديد نشأة وتكوينا والتمييز بين أقوال المسيح وأقوال الحواريين، والفصل بين الكتاب المقدس والتراث الكنسي، وهو نواة التراث الغربي، فالتراث الغربي كله ما هو إلا رد فعل على هذه النواة الأولى.
الجزء الثاني: العهد القديم
وفيه يتم تحليل العهد القديم الكتاب المقدس عند اليهود والتمييز بين كتبه وكتب التوراة، وكتب التاريخ (كتب الملوك وكتب القضاة) وكتب الأنبياء وكتب الحكمة ... إلخ، ومعرفة ما قاله الأنبياء وما قاله الأحبار والملوك، ثم دراسة تطور العقائد عند بني إسرائيل الذي لا ينفصل عن تاريخهم القومي: عصر البطاركة، عصر الأنبياء، عصر التدوين، والعصر الوسيط والعصر الحديث. وقد كانت هذه سنة علمائنا القدماء في التعرض إلى نقد الكتب المقدسة، وما زال المطلب قائما فنحن ما زلنا في مواجهة أهل الكتاب بمواجهتنا لمخاطر الاستعمار والصهيونية.
الجزء الثالث: المنهاج
وهي محاولة لتجاوز مناهج التفسير التي عرفها تراثنا القديم، الكلامية والفلسفية والفقهية والصوفية، وتراوحها بين مناهج نصية أو عقلية أو واقعية أو وجدانية، ثم محاولة وضع نظرية جديدة للتفسير تكون جامعة لها كلها، تبدأ من الواقع الشعوري الذي يقدم لنا التجارب الحية التي يقوم العقل بتحليلها ويصل إلى معان تكون هي معاني النص. والتي يمكن أيضا إدراكها بالحدس الموجه إلى النص مباشرة أو إلى الواقع المباشر. وبالتالي يمكن تقنين المداخل إلى النص، ومعرفة أخطاء التفسير مسبقا بمعرفة أخطاء المنهج، ويكون التفسير في نظريته الجديدة دعامة التجديد، والمدافع عن شرعيته، والهادم لأية محاولات أخرى للتفسير تود الإبقاء على الأوضاع القائمة، والحد من حركة التغير الاجتماعي وإيقاف مسيرة التاريخ. فالبحث عن «المنهاج» هو نهاية «التراث والتجديد» وبغيته الأولى، محاولة للعثور على منهاج إسلامي عام لحياة الفرد والجماعة، ووصف الإنسان في الوحي في علاقاته بقواه النظرية والعملية، وفي علاقته مع الآخرين، ومع الأشياء، ويكون بمثابة الأيديولوجية التي يمكنها تنظير الواقع وتطويره، وهي الحقيقة نفسها التي حاول الجميع البحث عنها سواء في تراثنا القديم ابتداء من الوحي أو بالجهد الإنساني الخالص في التراث الغربي. وقد نذكر منه بعض جوانبه في القسم الأول لبيان إلى أي حد استطاعت العلوم التقليدية الاقتراب منه أو في القسم الثاني لبيان إلى أي حد كان هو المطلب الذي يبحث عنه الشعور الأوروبي وهو في الحقيقة حدسنا الأول الذي حدث لنا في مقتبل حياتنا الفلسفية، والذي ظل لنا في كل كتاباتنا،
30
وسيتم إخراجه ابتداء من نصوص الوحي ذاتها بلا حاجة إلى تراث، ويكون هذا هو جزء الوداع.
Unknown page