118

Tunis Thaira

تونس الثائرة

Genres

كنت قد حضرت بنفسي مأساتين مرجفتين متتاليتين، وشاهدت خلالها نساء بريئات وأطفالا ورجالا بؤساء يتساقطون ويتخبطون في دمائهم، وهم جميعا عزل!

يقاوم في هذا البلد هدوء الرجال واطمئنان الأطفال المسرورين والمترنمين حين خروجهم من مدرستهم، وضعف النساء القلقات اللاتي ينتظرن أولادهن وينادين رجالهن، قلت تقاوم تلك الجماهير من الناس بجلب الرشاشات والدبابات والمفرقعات اليدوية وحتى بالمدافع.

انظروا إلى أولئك الشبان المرتدين الثياب البالية، وإلى أولئك الفلاحين المسنين المساكين، الراجعين من حقولهم حاملين معهم معاولهم أو قائدين إبلهم أو حميرهم، الماكثين هناك مطروحين على الأرض في غدران دمائهم، وانظروا إلى هذه المرأة التي بقر بطنها، وهذه الأخرى التي شج منها الرأس، ثم يتكلم المتكلمون عن السلام!

لشد ما تمنيت أن أقص عليك تفاصيل هاتين المأساتين المتقدمتين - من بين كثير من المآسي - غير أني لم أملك أعصابي من شدة التأثر، قد خرجت الآن أمي؛ إذ إنه لم يعثر على أخيها، كما فقدت جارة لنا - في آن واحد - أختها وبعلها، هذه قصة مصير المضطهدين الطالبين بغاية الهدوء إرجاع حقوقهم، هذا ما يتحمله الشعب من هذا المجتمع الاستعماري.

لا أدري هل تصل إليك هذه الرسالة! إن مرور البريد يكاد يكون منعدما بجهتنا، إنه ليس من واجبي أن أتناسى ذكر الزميلين التونسيين المنخرطين في منظمتنا، واللذين كنت أنتظر منهما إعانة فعلية لترويج أساليبنا وطرقنا الفنية. لقد اعتقلا وأخذا من فصليهما أول أمس، وقد اعتقل آخرون كثيرون مثلهم، وأعتقد أن موعد اعتقالي قد لا يتأخر أيضا؛ رغم أننا جميعا لم نرتكب أية مخالفة.

نعم، إن وجوهنا لتحمر خجلا وغيظا نحن الذين شاهدنا حربين وعرفنا السجون والمحتشدات، يجب أن نفضح، وأنتم معنا، هذه الحملة الحربية التي تقع باسم الفرنسيين. إذن باسمنا جميعا وبدم أبنائنا وبالأموال التي يحصل عليها الشعب بعرق جبينه.

ولما ادلهمت الدنيا على الجنرال جارباي، وافتضحت أعماله، واستاء الرأي العام العالمي منها، وثار ضدها الضمير البشري، أصدر تكذيبا فنده الفرنسيون أنفسهم فيما بعد، وجاء في جريدة «ليموند» الباريسية بتاريخ 22 فبراير 1952 ما يلي:

لقد احتج الجنرال جارباي: «القائد الأعلى للجيوش بتونس» في تصريح لمراسل فرانس بريس الخاص، على الحملة الرامية إلى المس بسمعة الجيش وخلق جو ملؤه الشكوك والريب يريده الدستور الجديد لتنبيه الرأي الدولي لتونس الشهيدة، قال: «بعد البحث الذي قامت به السلطة العسكرية المختصة، فإني أكذب بصفة قاطعة أن الجنود قاموا بقتل الأطفال في أي قرية من الدخلة أو أي جهة أخرى من القطر التونسي، عن قصد أو عن غير قصد.

ولم تسجل أي شكوى للمحاكم في هذا الموضوع من عائلات الأطفال أو من السلطات التونسية، وإنه من اختصاص القضاء الفرنسي بتونس وحده - الذي يبحث شكوى السلطة العسكرية على حملة الأكاذيب التي كان الجيش ضحيتها - أن يقوم بفحص جثث الأطفال الذين ماتوا بتازركة، إذا ما رأى مصلحة في ذلك.»

وأضاف الجنرال جارباي قائلا: «صحيح أن تونسيين قتلوا وجرحوا أثناء الثورات والمظاهرات والعمليات البوليسية، ومات ثلاثون منهم لحينهم، وجرح ما يربو على مائة وأربعين، مات ثلاثون منهم بعد حين، فليس هناك قتل ولا جريمة قتل. وقد حدث موت هؤلاء التونسيين إما أثناء اشتراكهم في المظاهرات التي انقلب بعضها إلى ثورات حقيقية، وإما عند فرارهم أثناء عمليات التطهير التي جاءت من بعد.

Unknown page