فلما توفي شيخُه المذكور؛ ازداد اشتغاله بالعلم والعمل.
قال لي شيخُنا القاضي أبو المفاخر محمد بن عبد القادر الأنصاري ﵀ (١): "لو أدرك القشيريُّ صاحب "الرسالة" شيخَكُم وشيخَه (٢)؛ لما قَدَّمَ عليهما في ذكره لمشايخها (٣) أحدًا؛ لما جُمع فيهما من العلم، والعمل، والزهد، والورع، والنُّطق بالحِكَم، وغير ذلك".
وذكر لي الشيخ -قدَّس الله روحه- قال: "كنتُ أقرأ كلَّ يومِ اثنتي عشر درسًا على المشايخِ؛ شرحًا وتصحيحًا: درسين في "الوسيط"، ودرسًا في "المهذَّب"، ودرسًا في "الجمع بين الصحيحين"، ودرسًا في "صحيح مسلم"، ودرسًا في "اللمع" لابن جُنِّي في النحو، ودرسًا في "إصلاح المنطق" لابن السِّكِّيت في اللغة، ودروسًا في التصريف،
_________
(١) هو القاضي الإمام أبو المفاخر محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق الأنصاري الدِّمشقي الشافعي المعروف بابن الصَّائغ، كان عارفًا بالمذهب الشافعيّ، بارعًا في الأصول والمناظرة، وكانَ مشكورَ السيرة، ولي القضاء، ثم امتحن، فعزل، وسجن، ثم خُلِّصَ، وانقطع بمنزله في بستانه إلى أن توفي في ربيع الآخر سنة (٦٨٣ هـ).
انظر ترجمته في "البداية والنهاية" (١٣/ ٣٠٤)، و"مرآة الجنان" (٤/ ١٩٩)، و"شذرات الذهب" (٥/ ٣٨٣).
(٢) مراده: الإمام النووي، وشيخه المراكشي لعله المغربي.
(٣) يعني "الرسالة القشيرية". وفيها من الكلام الجيد الكثير، وفيها من كلام العقائد الفاسدة الكثير أيضًا، وكان أحد علمائنا الأفاضل يقول: هي آخر الخير وأول الشر. ولكن بعد تتبع أثرها السيء في الأمة، يحسن النصح بالابتعاد عنها، أو أن تهذّب من عالم صحيح العقيدة سليم العقل. قاله الأستاذ زهير الشاويش في تعليقه على "النخبة البهية" (ص ٥٤).
1 / 49