قال لي والده ﵀: "لما توجَّهْنا من (نوى) للرحيل؛ أخذتْهُ الحُمَّى، فلم تفارقه إلى يوم عرفة".
قال: "ولم يتأوَّه قط، فلما قضينا المناسك، ووصلنا إلى (نوى)، ونزلنا إلى دمشق؛ صبَّ الله عليه العلم صبًّا، ولم يزل يشتغل بالعلم، ويقتفي آثار شيخه المذكور في العبادة؛ من الصلاة، وصيام الدهر (١)، [٥] والزهد، والورع، وعدم إضاعة شيء من أوقاته/ إلى أن توفي " (٢).
_________
= وقيل: إنه حج مرتين، والصحيح إنها مرة واحد"!
وأحال على "ترجمة النووي" للسخاوي (ص ٦).
قلت: وفيها خلاف ما صححه، بل صرح السخاوي ص (٨١) أن الشيخ النووي حج مرتين. وذكر في (ص ٦) مؤيدات لذالك. فلا أدري ما الذي جعله يصحح أنه حج مرة واحدة؟!
(١) نهى ﵊ عن صيام الدَّهر؛ كما هو ثابت في "صحيح البخاري" (٤/ ١٩٥)، و"صحيح مسلم" (رقم ١١٥٩)، وغيرهما.
ورحم الله الإمامَ الذهبي وجزاه خيرًا عندما قال في "السير" (٣/ ٨٥ و٨٦): "كلُّ مَن لم يُلزم نفسَهُ في تعبُّدِه بالسنة النبوية؛ يَندَمُ ويترهَّبُ، ويسوءُ مزاجُه، ويفوتُه خيرٌ كثيرٌ من متابعة سنة نبيه الرؤوف الرحيم بالمؤمنين، الحريص على نفعهم، وما زال ﷺ معلمًا للأمة أفضل الأعمال، وآمرًا بهجر التبتل والرَّهبانية التي لم يُبعَث بها، فنهى عن سرد الصوم، ونهى عن الوصال، وعن قيام أكثر الليل، إلا في العشر الأخير، ونهى عن العُزبة للمستطيع، ونهى عن ترك اللحم إلى غير ذلك من الأوامر والنواهي، فالعابدُ بلا معرفة لكثير من ذلك معذور مأجور، والعابدُ العالم بالآثار المحمدية، المتجاوز لها مفضولٌ مغرور، وأحب الأعمال إلى الله تعالى، أدوَمُها وإن قَلَّ، ألهمنا الله وإياكم حُسن المتابعة، وجَنَّبَنا الهوى والمخالفة".
(٢) ما تقدَّم موجود في "ترجمة الإمام النووي" (٥ و٦) للسخاوي، و"المنهاج السوي" (لوحة ٤/ أ- ٥/ أ)، و"تاريخ ابن الفرات" (٧) و"ذيل مرآة الزمان" (٣/ ٢٨٤) و"تذكرة الحفاظ" (٤/ ١٩٧٠)، و"تاريخ الإسلام" (ورقة ٥٧٤ - ٥٧٥)، و"فوات الوفيات" (٤/ ٢٦٥)، و"الدارس في تاريخ المدارس" (١/ ٢٤ - ٢٥)، و"عيون التواريخ" (٢١/ ١٦٢)، و"شذرات الذهب" (٥/ ٣٥٤)، وغيرها.
1 / 48