وتسأله شيئا لو لم يكن من أمر الدين لما استحسن السؤال عنه؛ لأنهم ﵃ جميعا- علموا وأدركوا وأيقنوا أن معلمهم رسول الله ﷺ وأنه العارف بدقائق الشرع وحقائق التنزيل، وأن الله شرّفهم وأعلى منزلتهم بدخولهم الإسلام، وأن كل ما يفعلون وما يقولون -صغيرا أو كبيرا- يجب أن يكون على وفق ما شرعه الله، ويجب أن يكونوا على معرفة به، وأن الاستحياء في التساؤل عن أمر الشرع مذموم، وأن العمل الذي يجانب مراد الشارع باطل، فلا بد مع إخلاص النية من العلم، فالنوايا لا تغني وحدها إذا كان العمل غير صحيح، فلا بد من إخلاص النية في العمل وموافقته لمراد الشارع ﷾. وآمنوا ﵃ جميعا- أن تبليغ الرسالة جزء من واجباتهم فقاموا ينقلون عن رسول الله ﷺ ما سمعوه ووعوه، ويوضحون ما فقهوه. فكان نقلهم لما سمعوه وشاهدوه وعلموه منه دقيقا، وفهمهم له صحيحا؛ لأنهم عايشوا الوحي وعاصروا التنزيل ووقعت الحوادث بين أيديهم، إضافة لما أكرمهم الله به من الورع والتقوى، وما خصّ به زمانهم من خيرية على القرون، وما حباهم من فطنة وذكاء.
وقد تلقاها عنهم آخرون هم على درجة عالية من الفهم والوعي، وقوة الحافظة واستحضار المعاني، وكتب البعض صحائف، وترك البعض الآخر الكتابة لدقة تثبته وقوة حافظته. وبلّغوا هم بدورهم ما وعوه وحفظوه وما كتبوه وهكذا.... حتى إذا تباعد الزمن شيئا قليلا رأى العلماء والأئمة النجباء أن الاعتماد على الحفظ وحده لا يكفي، وأنه لا بد من تقييد السنة وجمعها في الكتب ... فتمت عملية الجمع والكتابة والتدوين١ ... إلا أن البعض تساهل في الجمع فجمع كل ما سمع مرويا بالسند، ووضع البعض الآخر شروطا لقبول رواية الراوي ومن يأخذ عنه العلم، وكانت شروط بعضهم أشد من بعض، وكان شرط الإمامين الجليلين البخاري ومسلم -عليهما رحمة الله- في صحيحيهما في الدرجة الأولى من التحري عن رواة الأخبار،
_________
١ انظر تدوين الحديث في كتاب بحوث في تاريخ السنة المشرفة، تأليف أستاذنا الدكتور أكرم العمري، حفظه الله.
1 / 12