163
(وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ): مِنْ خَيْرٍ فِيهِ أَوْجُهٌ قَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ): وَنَزِيدُهَا هُنَا وَجْهًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَيْرٍ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: مَا تَفْعَلُوا فِعْلًا مِنْ خَيْرٍ. قَالَ تَعَالَى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨» قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ تَبْتَغُوا): فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى تَقْدِيرِ فِي أَنْ تَبْتَغُوا وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِ سِيبَوَيْهِ هُوَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَلَى مَا بَيَّنَاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَلَوْ ظَهَرَتْ فِي اللَّفْظِ لَجَازَ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِنَفْسِ الْجُنَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْجُنُوحِ وَالْمَيْلِ أَوْ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْإِثْمِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ صِفَةً لِجُنَاحٍ، وَأَجَازَ قَوْمٌ أَنْ يَتَعَلَّقَ حَرْفُ الْجَرِّ بِلَيْسَ، وَفِيهِ ضَعْفٌ. (مِنْ رَبِّكُمْ): يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِـ (تَبْتَغُوا)، فَيَكُونُ مَفْعُولًا بِهِ أَيْضًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِفَضْلٍ فَيَتَعَلَّقُ مَنْ بِمَحْذُوفٍ. (فَإِذَا أَفَضْتُمْ): ظَرْفٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ فَاذْكُرُوا، وَلَا تَمْنَعُ الْفَاءُ هُنَا مِنْ عَمَلِ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ. وَ(عَرَفَاتٍ): جَمْعٌ سُمِّيَ بِهِ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ نَكِرَةً وَهُوَ مَعْرِفَةٌ، وَقَدْ نَصَبُوا عَنْهُ عَلَى الْحَالِ فَقَالُوا: هَذِهِ عَرَفَاتٌ مُبَارَكًا فِيهَا ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا بُقْعَةٌ بِعَيْنِهَا، وَمَثَلُهُ: أَبَانَانِ اسْمُ جَبَلٍ أَوْ بُقْعَةٍ.

1 / 162