The Explanation of the String of Pearls in the Sincerity of the Word of Unity
شرح الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد
Genres
وجوه الدلالة في قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)
فأوجه الدلالة من قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام:١٦٢] أربعة وجوه: الوجه الأول: الصلاة عبادة، فقد أمر الله بالصلاة، قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ [البقرة:٤٣]، وقوله تعالى: «قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي»، عطف، والأصل في العطف الاشتراك في الحكم، والأصل فيه المغايرة، لكن الأصل في العطف هنا: الاشتراك في الحكم، فكما أن هذه الصلاة مأمور بها فهي عبادة، وكذلك الذبح.
الوجه الثاني: الاقتران والاشتراك في الحكم بأنهما عبادة، فإن الله يقول: ﴿لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ﴾ [الأنعام:١٦٣]، أي: أمر بالصلاة وأمر بالنسك، والأمر ظاهره الوجوب، والله لا يأمر إلا بما يحب، وما أحبه الله ينزل تحت مسمى العبادة.
الوجه الثالث: قول الله تعالى: «لا شَرِيكَ لَهُ»، أي: أنه لو جعل النسك لغير الله فقد أشرك، ولو صرفه لله يكون توحيدًا، فهذا دلالة على أنها عبادة.
الوجه الرابع: أن هذه الآية تدل على أن الصلاة خاصة بالله لا لغيره، وكذلك النسك خاص بالله لا لغيره، والتخصيص يدل على أن النسك لله عبادة.
إذًا: فكل هذه الوجوه فيها استدلال على أن الذبح عبادة، فصرفها لله توحيد، وصرفها لغير الله شرك.
أيضًا: قول النبي ﷺ في الصحيح: (لعن الله من ذبح لغير الله)، ووجه الدلالة من هذا الحديث: أن النبي ﷺ توعد من ذبح لغير الله جل في علاه أن يكون ملعونًا، والملعون: هو المطرود من رحمة الله، ومن طرد من رحمة الله فلن يرجع إليها، فهذا دليل على أنه قد وقع في الكفر، أو وقع في الشرك؛ ولذلك لعنه الله، فبالمفهوم: من ذبح لله مثاب وليس ملعونًا.
أيضًا: من الدلالة على أنها عبادة: أن الله سد كل باب يمكن أن يوقع المرء في أن يصرفها لغير الله جل في علاه، كما في الحديث: أن رجلًا سأل النبي ﷺ أنه نذر أن يذبح إبلًا ببوانة، فقال له النبي ﷺ: (أكان فيها صنم يعبد؟ قال: لا.
قال: أكان فيها عيد من أعياد المشركين؟ قال: لا.
قال: إذًا أوف بنذرك)، فلما كان الذبح عبادة نأى به النبي ﷺ عن أي وسيلة تؤدي إلى الشرك بالله في هذه العبادة، فقال: (أفيها صنم يعبد؟)، فإن كان فيها صنم يعبد فإنه سيتشبه بالمشركين؛ فقد كانوا يذبحون لأصنامهم ويتقربون لرهبانهم من دون الله جل في علاه، ثمَّ قال: (أكان فيه عيد من أعياد المشركين؟ قال: لا.
قال: إذًا أوف بنذرك) فهذا الحديث فيه دلالة -من باب حسم المادة وحفظ جناب التوحيد- على أن الذبح لله توحيد، والذبح لغير الله شرك، وأن من تشبه بمن ذبحوا لغير الله جل في علاه فهو نوع من أنواع الشرك، ووسيلة من وسائله، فحسم النبي ﷺ المادة وقطع هذه الوسيلة وقال: لا، إن كان فيها صنم يذبح له من دون الله جل في علاه فلا تذهب، وإن كنت تذبح بنية التقرب لله فلا تفعل؛ لأنك ستتشبه بالمشركين.
إذًا: نهى عن التشبه بالمشركين في هذه، وإن لم يكن هذا من الشرك الأكبر فهو من الشرك الأصغر؛ لأنه وسيلة للشرك الأكبر، فحسم النبي ﷺ الأمر ومنعه من ذلك، إلا أن يكون هذا المكان لا يذبح فيه لغير الله، ولا يكون فيه عيد من أعياد المشركين.
9 / 6