الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل، لكن الشأن في ذلك الدليل.
فأهل التأويل من نفاة الصفات - لأن نفاة الصفات طائفتان مفوضة ومؤولة كما تقدم (١) - يفسرون نصوص الصفات بخلاف ما تدل عليه، ثم يضطربون في هذا التأويل، فيصرفون كلام الله وكلام رسوله عن ظاهره بغير حجة؛ بل بشبهات يسمونها عقليات، وهي في الحقيقة جهليات، وقد عمدوا إلى أفضل أنواع النصوص - وهي نصوص الأسماء والصفات - فصرفوها عن ظواهرها، بناء على ما أصَّلوه بالشبهات الباطلة من أنه - تعالى - لا تقوم به الصفات؛ فالجهمية والمعتزلة لما أصلوا نفي الصفات لابد أن يكون لهم موقف من هذه النصوص، كيف يصنعون بها؟ فلجؤا إلى التأويل، فصارت النصوص عندهم لا تدل على إثبات الصفات.
يقول شيخ الإسلام في التدمرية (٢): (القاعدة الرابعة: وهي أنَّ كثيرًا من الناس يتوهم في بعض الصفات، أو في كثيرٍ منها، أو أكثرها، أو كلها = أنها تماثل صفات المخلوقين؛ ثم يريد أن ينفي ذلك الذي فهمه، فيقع في أربعة أنواع من المحاذير:
أحدها: كونه مثل ما فهمه من النصوص بصفات المخلوقين، وظنَّ أنَّ مدلول النصوص هو التمثيل.
الثاني: إنه إذا جعل ذلك هو مفهومها وعَطَّله بقيت النصوص معطلة عما دلت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله، فيبقى مع جنايته على النصوص، وظنِّه السيئ الذي ظنه بالله ورسوله - حيث ظنَّ أنَّ الذي يُفهم
(١) تقدم في صفحة (...).
(٢) التدمرية (ص ٢٣٤).