The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani
السيرة النبوية - راغب السرجاني
Genres
ثمار الصديق الدعوية في الدعوة السرية إلى الإسلام
في اليوم الثاني من أيام الدعوة بدأ الرسول ﷺ والمؤمنون الأوائل يتحركون لانتقاء عناصر جديدة.
ولنا وقفة مهمة مع حركة الصديق ﵁ وأرضاه، فقد كان الصديق إيجابيًا بدرجة لا يمكن وصفها، كان يتحرك بالدعوة وكأنها أُنزلت عليه، لم تكن الدعوة عنده مجرد تكاليف من رسول الله ﷺ، كان يحب الإسلام ويريد من الناس جميعًا أن يعرفوه، وفي نفس الوقت كان يحب كل الناس، وهذا الحب للدين وللناس نتج عنه حماسة دعوية على أعلى مستوى، ففي أول تحرك له أتى بمجموعة وليس فردًا، أتى بالأسماء الذين سأذكرهم، وأريدك أن تقف عند كل اسم وتتأمل صاحب هذا الاسم وتاريخ وقصة حياته، لتعرف ميزان الصديق عند الله ﷿.
الاسم الأول: عثمان بن عفان.
قف وفكر في سيرة عثمان ﵁ وأرضاه، وفي تجهيز جيش العسرة جيش تبوك، وشراء بئر رومة، وتوسعة المسجد النبوي، وخلافة المسلمين (١٢) سنة، حياة طويلة من الإنفاق والجهاد والدعوة والعلم والصيام والقيام وقراءة القرآن.
فـ عثمان بن عفان حسنة من حسنات الصديق ﵁ وأرضاه.
الاسم الثاني: الزبير بن العوام ﵁ وأرضاه.
الاسم الثالث: سعد بن أبي وقاص ﵁ وأرضاه.
ولن أفصل في سيرة هؤلاء؛ فكل واحد منهم يعتبر علمًا ومنارة من منارات الإسلام.
الاسم الرابع: طلحة بن عبيد الله ﵁ وأرضاه.
الاسم الخامس: عبد الرحمن بن عوف ﵁ وأرضاه.
فهؤلاء الخمسة جميعهم من العشرة المبشرين بالجنة، وهؤلاء لم يغيروا طعامًا أو شرابًا، أو سكنًا، وإنما غيروا ديانة وعقيدة، فمكة لها مئات السنين وهي تعيش في الشرك، فما ذلك الإقناع الذي كان عند الصديق حتى أقنع هؤلاء الخمسة العمالقة بأمر الإسلام؟ ما مقدار الصدق الذي في قلب الصديق ﵁ وأرضاه حتى يهدي الله ﷿ على يده هؤلاء الخمسة العظام.
الغريب أن هؤلاء الخمسة لم يكونوا من قبيلة بني تيم، قبيلة الصديق ﵁ باستثناء طلحة بن عبيد الله فـ عثمان أموي، والزبير أسدي، وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف من بني زهرة، لكن من المؤكد أن علاقات الصديق كانت بهم قوية جدًا ووثيقة قبل الإسلام، ليس من المعقول أن يتعرف عليهم بالصدفة وفي وقت إسلامهم، وإنما من المؤكد أنهم كانوا يحبونه حبًا عظيمًا، وبعد هذا يأتي الإقناع وتأتي الحجة.
ثم لو نظرنا إلى أعمار هؤلاء فـ الزبير بن العوام ﵁ كان عمره (١٥) سنة، وعندما تسمع اسم الزبير بن العوام تعتقد أن عمره (٤٠) أو (٥٠) سنة.
وكان عمر طلحة بن عبيد الله (١٦) سنة.
وسعد بن أبي وقاص خال رسول الله ﷺ له تاريخ طويل وجهاد وفتوح وكان عمره حين أسلم (١٧) سنة.
أما عثمان بن عفان فقد كان كبيرًا بالنسبة لهم، كان عمره حين أسلم (٢٨) سنة.
كذلك عبد الرحمن بن عوف كان عمره حين أسلم (٣٠) سنة.
كل هؤلاء أخذوا قرار تغيير الدين والارتباط بالإسلام وتحمل المشاق الضخمة في هذه السن المبكرة! فـ الزبير وطلحة وسعد لو كانوا في زماننا فلا يزالون في المرحلة الثانوية، فهل أولادنا في المرحلة الثانوية عندهم من الوعي والإدراك وتحمل المسئولية والقدرة على الفهم والتفكير مثل هؤلاء؟ هل عندهم من القدرات التي كانت عند شباب الصحابة؟ والله إننا لنحزن عندما نرى أن بعض الشباب في هذه المرحلة العمرية الثمينة جدًا فرغت عقولهم تمامًا من كل ما هو ثمين أو قيم، ولو بحثت في عقولهم لم تجد إلا بعض الأغنيات والمسلسلات والمباريات، وقصات الشعر والفيديو ورسائل الموبايل مع أن كثيرًا منهم نشئوا في بيوت مسلمة، ومن آباء وأمهات مسلمين، وربما نشئوا في بيئة إسلامية صالحة، لم يكونوا في بيوت كافرة كبيت الزبير بن العوام أو طلحة بن عبيد الله أو سعد بن أبي وقاص.
إذًا: أين المشكلة؟! نعم.
هناك دور كبير جدًا راجع لفساد الإعلام والتعليم، لكن نحن أيضًا علينا جزء كبير، لعلنا لم نعط الشباب الوقت الكافي من حياتنا، أو أننا نستصغر عقولهم وأفكارهم، فينتهي من الثانوية والجامعة والجيش ويتزوج، وهو لا يزال أيضًا صغيرًا، والبلوغ العقلي عندنا (٤٠) سنة! وعند ذلك لا يعتمد على نفسه، ولا يعتمد عليه مجتمعه.
هذا الشيء في الحقيقة يحتاج منا إلى وقفة كبيرة جدًا، الشباب إمكانيات هائلة، لو وقفت مع الشباب وأعطيتهم وقتًا وتربية وجهدًا ستأخذ منهم كما أخذ الرسول ﷺ من
5 / 8