170

Al-ʿarab fī Ṣiqiliyya

العرب في صقلية

Publisher

دار الثقافة

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٩٧٥

Publisher Location

بيروت - لبنان

Genres

تذكرنا طبيعة الجماعات المهاجرة المستقرة، وطبيعة الاتجاهات المدرسية فيها، لا نعجب إذا لم نجد هذه الحياة غنية بالأدب الجميل، وقد كان من الضروري قيام شعور وطني يربط الناس بهذه الأرض التي عاشوا فيها ليساعد ذلك على اشتداد ساق الأدب، وهذا لا يتم إلا بعد أن يولد جيل جديد على أرض صقلية ويحس بأنها هي، لا إفريقية، المكان الذي يقاتل عنه ويعيش من أجله، فأما المهاجرون الأوائل فإنهم يرون في صقلية رباطًا كبيرًا يشنون منه الغارة لحماية الحدود الإفريقية وإعلاء شأن الدين.
ولا نسمع شعرًا صقليا في مدة خمسة وثمانين عامًا طواها بنو الأغلب في فتح الجزيرة وحكمها. وهذا شيء مستغرب وإن كان تعليله سهلًا. وإذا وجد شعراء في هذه الفترة فإنهم إفريقيون يوجه عواطفهم معنى الغربة أولًا، وطبيعة الجهاد ثانيًا:: أما الغربة فلابد أنها بعثت في نفوسهم الحنين إلى مواطنهم الأولى، وتمثل هذا الحنين في قصائد ورسائل شعرية بعثوا بها إلى أهلهم وأصدقائهم في الوطن، وأما الجهاد فلابد أنه أذكى روح الحماسة من ناحية وروح الحزن على من أكلتهم الحرب من ناحية ثانية. ولا يمكننا القول بخلو صقلية من كل شعر، فذلك مناف لطبيعة الأشياء في حياة الناس.
ولدينا من أمثلة هذا الشعر قصيدة لأسير أغلبى اسمه مجبر بن إبراهيم بن سفيان، ومطلعها (١):
ألا بيت شعري ما الذي فعل الدهر ... بإخواننا يا قيروان ويا قصر وهذا الشاعر يتأسى في قصيدته بأن الفرج غنما يجيء بعد الشدة، أليس يوسف قد نجا من الحب، وأيوب زال عنه الضر، وإبراهيم خلص من النار؟ إن الله قد نجى هؤلاء، وهو قادر على أن يخلص أهل السر من ربقة إسارهم.
وأقدم الشعر الصقلي الذي وصلنا يعود إلى العصر الكلبي، وأول شعر نستطيع تأريخه وصلنا في أيام ولاية أبي القاسم الملقب بالشهيد (٣٥٩ - ٣٧٢) . ومن

(١) الحلة السيراء في المكتبة: ٣٢٩.

1 / 179