وقد قيل، معناها، اسمع لا سمعت، وقالوا، كنا نسب محمدا سرا فأعلنوا به الآن، فيقولون، يا محمد راعنا، ويضحكون فيما بينهم، ويقال، كان مالك بن صيف، ورفاعة بن زيد إذا لقيا النبى صلى الله عليه وسلم قالا وهما يكلمانه، راعنا سمعك، واسمع غير مسمع، فظن المسلمون، أن هذا شىء يعظمون به الأنبياء فنزلت الآية.
ويقال، كان ذلك لغة للأنصار فى الجاهلية، وكان سعد بن معاذ، أو سعد ابن عبادة يعرف لغتهم، فسمعهم يقولونها للنبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا أعداء الله، عليكم لعنة الله، والذى نفسى بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه، قالوا، أو لستم تقولونها؟ فنزلت الآية قطعا لألسنة اليهود عن التدليس، ويحتمل أن يريد أنت راعن، أو يا راعن، أى أحمق، فزادوا الألف وفتحوا، أو أنت راعينا لا نبى، فحذفوا الياء أو اختلسوها { وقولوا انظرنا } اعتبرنا حتى نفهم، أو أمهلنا، فإنه يقال، نظره بمعنى أمهله فلا حادة إلى تقدير انظر إلينا { واسمعوا } من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبول وعمل وانتهاء بجد، بحيث لا تحتاجون إلى الإعادة وطلب المراعاة، لا كقول اليهود سمعنا وعصينا، السابين براعينا، ولا تكونوا أيها المسلمون مثلهم فى طلبكم الإعادة { وللكافرين } اليهود السابين براعنا. أو جعله للكافرين. فدخل اليهود، وذلك السب كفر { عذاب أليم } زعم طائفة من اليهود أنها يودون الخير للمؤمنين فكذبهم الله عز وجل بقوله:
{ ما يود } يحب، أو يتمنى حسدا { الذين كفروا من أهل الكتب } أى، وهم أهل الكتاب، وكلهم كفرة، إذ لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا من آمن، كعبدالله بن سلامن وإن جعلناها للتبعيض فالمراد البعض الأكثر، وهو خلاف الظاهر { ولا المشركين } من العرب، والكلام جاء فيهم عطف على أهل الكتب، وذكرهم اتباعا لليهود، وهم لم يدعوا ود الخير للمؤمنين، ولذلك أخرهم { أن ينزل } أى أن ينزل الله { عليكم من خير } نائب فاعل ينزل، فمن صلة للتأكيد والاستغراق، وصح ذلك مع أن قوله ينزل مثبت لانسحاب نفى الود إليه، والمراد بالخير الوحى والعلم والنصر، وغير ذلك من أنواع الخير، وكراهتهم تعم كل خير.
روى أن المسلمين قالوا لحلفائهم من اليهود، آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: وددنا لو كان خيرا مما نحن فيه فنتبعه، فنزلت الآية تكذيبا لهم، ومعنى تكذيبهم، أنه صلى الله عليه وسلم على خير مما هم فيه، ولم يؤمنوا، وقيل: نزلت تكذيبا لجماعة من اليهود، يظهرون أنهم يحبون المؤمنين، وإنما قال عليكم مع أن الوحى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأنا متعبدون بما أنزل إليه، فهو خطاب متوجه إلينا، وواقع علينا بواسطة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أبلغ من تقدير مضاف، أى ينزل على نبيكم، ولا تنزيل إلا من الله، ومع ذلك قال { من ربكم } إغاظة للكفار، وتحبيبا لنفسه إلينا، وتذكيرا لنعمة التربية منه، والعبودية منا له { والله يختص برحمته } أى السعادة والجنة، أو النبوة، أو هى الخير المذكور، ذكره بالاسم الظاهر تصريحا بأنه رحمة من الله، وفضل لا واجب عليه، ولا يوجبه عمل عامل، أو أراد بالرحمة مطلقها فى الأمة وسائر الأمم { من يشآء } هو النبى صلى الله عليه وسلم وأمته دون اليهود والمشركين والمنافقين، وهو العموم { والله ذو الفضل العظيم } كل خير دينى أو دنيوى أو أخروى منة من الله عز وجل، ولما قال اليهود والمشركون من العرب: محمد يقول من عنده لا من الله، لأنه يأمر بأمر ثم ينهى عنه نزل:
{ ما ننسخ من ءاية } نرفع حكمها ولفظها، أو نرفع حكمها، ونبقى لفظها، أو نرفع لفظها ونبقى حكمها { أو ننسها } نرفعها من قلبك، ونمحها منه ومن قلوب أصحابك فلا يدركون لفظها ولا معناها، ولا العمل بها، وهذا قسم آخر، لأنه قد يكون فى الأخبار، وقد يكون فى غيرها، فإما أن يكون معناها فى آية أخرى، أولا، فيكون قد رفع التكليف بها، وهو شامل النبى صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى:
سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله
[الأعلى: 6] وأما الامتناع فى قوله تعالى:
ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك
[الإسراء: 86] فباعتبار مالا يجوظ نسخه، أو باعتبار الكل، وبين النسخ والإنساء عموم وخصوص يجتمعان فى الرفع عن القلوب، ويختص النسخ بمنسوخ الحكم مع بقاء التلاوة، وبالعكس، ويختص الإناء بالأخباء التى أذهبت عن القلوب { فأت بخير منهآ } ثوابا أو سهولة فى الامتثال { أو مثلهآ } فى ذلك، كما قال:
وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر
Unknown page