، بضم الياء وشد اللام، أو من الخلل، لأن كلا يسد خلل الآخر، أو من الخل وهو الطريق فى الرمل، لأنهما يتوافقان فى الطريق، ومن الخلة بمعنى الفقر لأن كلا يفتقر إلى الآخر، أو بمعنى الخصلة لأنهما يتوافقان فى الخصال، وذلك فى حق الله بمعنى لازم المعنى اللغوى، قال بعض النصارى، إذا جاز إطلاق الخليل على معنى التشريف فلم لا يجوز إطلاق الابن فى حق عيسى على معنى التشريف؟ الجواب أن البنوة تشعر بالجنسية ومشابهة المحدثان بخلاف الخلة، وإن أوهمت الجنسية والمشابهة والحاجة فقد أزال ذلك بقوله:
{ ولله ما فى السماوات وما فى الأرض } فإنه لا يتصور لمن ملك ذلك وأكثر منه مما لا يتناهى، ولا شىء إلا هو مملوكه، أن يجانس أو يشابه، أو يحتاج، فخلته محض فضل، لا استكمالا بشىء كما يتخال الرجلان لاحتياج كل للآخر، وإبراهيم ملكه تعالى، فلا تخرجه الخلة عن العبودية لله عز وجل، والمالك له أن يختار من ملكه خليلا، ومن كان كذلك تجب طاعته واعتقاده كمال مجازاته على الأعمال، ومن قدر على إيجاد الأجسام والأعراض فهو محيط بالأعمال، قادر على الجزاء عليها كما قال { وكان الله بكل شىء محيطا } علما وقدرة، وكيف لا يعلم ما هو خالق له، وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطى الابنة النصف والأخت الشقيقة والأبوين النصف بالوحى من الله جل وعلا فى غير القرآن، فقال عينية بن حصين: أخبرنا أنك تعطى الابنة النصف والأخت النصف وإنا كنا نورث من يشهد القتال ويجوز الغنيمة لا النساء والصبيان والضعفاء، فقال صلى الله عليه وسلم:
" بذلك أمرت "
، فنزل قوله تعالى:
{ ويستفتونك } أى عيينة وجماعة من المسلمين ، وهكذا قل، ولا تقل يستفتونك فيما للنساء ولا عليهن مطلقا، ولعل هذا الاستفتاء لم يقع { فى النساء } أى فى توريثهن، والمراد جنس النساء، والاستفتاء متقدم على النزول، فالمضارع للحال وقصد حكاية الحال الماضية، أو هو لتكرر الاستفتاء بعد { قل الله يفتيكم } الإفتاء تبيين المهم لطالب البيان { فيهن } فى ميراثهن، والمضارع للاستمرار فشمل ما مر أول السورة من ميراث الإناث وما يأتي آخرها { وما يتلى عليكم فى الكتاب } القرآن، عطف على لفظ الجلالة، أو على المستتر فى يفتى لوجود الفعل، أى يفتيكم الله ويفتيكم كتابه، والمفتى حقيقة هو الله، ولكن عطف عليه أو على ضميره ما هو من الأمور الدالة على أنه المفتى كقولك نفعنى زيد وعلمه، وأغنانى الله وعطاؤه، وقد يكون الإسناد حقيقة للمعطوف نحو أعجبنى زيد وكرمه، ولكون المفتى حقيقة هو الله صح إفراد ضمير يفتى، ولو عطف ما يتلى على لفظ الجلالة أو يراد بإفتاء الله ما أوحى فى غير القرآن وبإفتاء ما يتلى ما أفتاه الله فى القرآن، أو مبتدأ وفى الكتاب خبره، أى فى اللوح المحفوظ، أو يقدر ويبين لكم ما يتلى، أو الواو للقسم { فى يتامى النسآء } متعلق بيتلى، وإن جعل ما يتلى مبتدأ فهو بدل من النساء، بدل بعض والرابط النساء، وضعا للظاهر موضع المضمر، أى فى يتاماهن، وفى هذا الوجه ضعف، لأن عيينة لم يستفت فى خصوص اليتيمات، وفى على ظاهرها، وإن علقنا فى يتامى بيستفتى ففى للسببية لئلا يتعلق جاران بمعنى واحد فى فعل واحد بلا تبعية { التى لا تؤتونهن ما كتب لهن } من الميراث والصداق والنكاح، وكانوا يمنعونهن منه { وترغبون أن تنكحوهن } عن أن تتزوجوهن لفقرهن أو قبحهن وعيب فيهن، وتبقونهن بلا تزويج لهن لغيركم، طمعا فى إرث مالهن، أو عن تزويجهن لغيركم لهذا الطمع، أو فى أن تتزوجوهن لما لهن وجمالهن، فكل من الرغبة عنهن، والرغبة فيهن مراد على سبيل البدلية، بحسب اقتضاء المقام وشهادة الحال لا على سبيل الشمول، وإلا لزم استعمال الكلمة فى معنييها، وليس ذلك إلباسا بل إجمالا، وللعرب غرض فى الإجمال لا فى الإلباس، واحتج الحنفية بالآية على جواز تزويج اليتيمة قبل البلوغ، وكذا الصغيرة غير اليتيمة، ويجوز أن يزوجها ولو غير أبيها وجدها، وأجيب بأنه ليس فى الآية أكثر من ذكر رغبة الأولياء فى نكاح اليتيمة، ولا يدل ذلك على الجواز، لجواز أن يكون المراد أن تنكحوهن بإذن منهن إذا بلغن، ويعترض هذا بأنه خلاف ظاهر الآية، وبأنه مجاز لعلاقة الأول، ولا دليل عليه، فلا تحمل عليه، أعنى بالأول أنه أراد تزوجهن إذا آل أمرهن، إلى البلوغ، لا مجاز الأول المشهور المتعاهد { والمستضعفين من الوالدان } عطف على يتامى، وكانوا لا يورثون الأطفال، ولا من لا يقاتل كما لا يورثون النساء { وأن تقوموا } عطف على يتامى، وفى يتامى بدل فى النساء، أو متعلق بيتلى، فكأنه قيل فيهن فى يتامى النساء، وفى أن تقوموا، أو ما يتلى عليكم فى يتامى النساء، وفى أن تقوموا، أو عطف على هاء فيهن المضمرة المتصلة، ولو بلا إعادة الجار، لاطراد حذف الجار مع أن وأن، عند أمن اللبس، أو أن تقوموا لليتامى بالقسط خير لكم، أو يقدر ويأمركم أن تقوموا { لليتامى بالقسط } والخطاب لمن يصلح للقيام بمنافع اليتامى فى أموالهم، وأبدانهم، ومؤنهم، وسائر مصالحهم من الأئمة والأولياء والمحتسبين { وما تفعلوا من خير } فى اليتامى وغيرهم، ودخل فى الخير ترك المحرمات لوجه الله كالزنى والربا { فإن الله كان به عليما } فهو مجازيكم عليه إن لم تبطلوه.
[4.128]
{ وإن امرأة خافت } مبتدأ وخبر عند سيبويه، والجملة الاسمية فى محل جزم، ولو كان الخبر اسما، نحو إن زيد قائم، أو إذا زيد قائم لم يجز عنده، وأجازه الأخفش أيضا والكوفيون، وزادوا جواز كون امرأة فاعلا مقدما، والجمهور على منع ذلك كله وجعل امرأة فاعلا لمحذوف دل عليه خافت، أى وإن خافت { من بعلها } زوجها { نشوزا } ترفعا عن صحبتها له، لدمامتها، أو كبر سنها، أو تعلق قلبه بغيرها، أو غير ذلك فيكون يمنع حقوقها أو يؤذيها بقول أو فعل { أو إعراضا } بإقلال مجالستها ومحادثتها، فهو لا يفعل لها خيرا ولا شرا إو إعراضا لبعض المنافع { فلاجناح عليهمآ } أما نفى الجناح عنه فلأن نقصه من حقها، أو إعطاءها إياه شيئا فى الصلح كالرشوة، ومحل نفى الجناح عنه ما إذا كان انقباضه عنها كالضرورى، لا يجد بدا عنه من نفسه، أو خاف من نفسه أن ينقص حقها بعد، وأما نفيه عنها مع أنها لا تأخذ فلبيان أن هذا الصلح ليس محرما على المعطى والآخذ { أن يصلحا } أبدلت التاء صادا وأدغمت أى فى أن يتصالحا، وقيل أبدلت التاء طاء والطاء صادا وأدغمت { بينهما } بدون حضور مصلح أو بحضوره { صلحا } أى تصالحا، بضم اللام، وذلك بأن تترك له، لئلا يطلقها، بعض الصداق أو كله، أو النفقة أو الكسوة أو بعضها، أو ليالها، أو بعضها، أو تهب له شيئا كما وهبت أم المؤمنين سودة بنت زمعة لياليها لعائشة لحب النبى صلى الله عليه وسلم عائشة أكثر من غيرها، لئلا يطلقها صلى الله عليه وسلم، وقد أراد طلاقها لكبر سنها، فلم يطلقها لإبرائها إياه من حقها، وهبتها لعائشة، وقد قالت: أريد أن أعد من نسائك ولا حاجة لى فى أمر النساء، وكما روى أنه كانت لأبى السائب امرأة ولدت له أولادا لم يقنع بجمالها فهم بطلاقها، فقالت: لا تطلقنى، دعنى حتى أشتغل بمصالح أولادى، واقسم لى فى كل شهر ليالى قليلة، فقال: إن كان الأمر كذلك فهو أصلح لى، فنزلت الآية فى ذلك كله، وكما روى عن عائشة أنها نزلت فى امرأة هى ابنة محمد بن مسلمة، كانت عند رجل، هو رافع ابن خديج، أراد أن يستبدل بها امرأة لكبر أو غيره، فقالت: أمسكنى وتزوج بغيرى، وأنت فى حل من النفقة والقسم { والصلح خير } أفضل من الفرقة وسوء العشرة والخصام، على فرض أن فيهن حسنا، بضم فإسكان أو الصلح حسن بالخروج عن التفضيل، أو الصلح منفعة، كما أن الخصام مضرة، وأل للعهد أو للجنس، وهذا إلى قوله غفورا رحيما معترض بين قوله وإن امرأة الخ وقوله وإن يتفرقا الخ المعطوف عليه، ولذلك تخالفت الجمل، فعلية، واسمية، وشرطية، وغيرها فيما بينهما، وهذه الجملة لتمهيد الصلح، وقوله { وأحضرت الأنفس الشح } لتمهيد العذر يجعل الله الأنفس مطلقا حاضرة للشح تتبعه، وتميل إليه لا تغيب عنه، فالنائب المفعول الأول، أو بجعله تعالى الشح حاضرا للأنفس لا يتركها، فالنائب المفعول الثانى فالمراد لا تترك المهر والمؤونة وقسم، والرجل لا يسمح لها بإداء ذلك لها وقضاء عمره معها، بإحسان العشرة مع كراهيته لها لدمامتها أو كبر سنها أو غير ذلك، والشح البخل مع حرص، فهو أخص من الحرص، وقيل هو أقبح البخل { وإن تحسنوا } أيها الأزواج فى عشرتهن بإمساك بمعروف، والصبر مع كراهتكم لهن { وتتقوا } ظلمهن بالنشوز ونقص حقوقهن، أو تركها، أو أن تحسنوا أيها المصلحون بينهما وتتقوا الميل إلى أحدهما { فإن الله } أى يثيبكم الله، لأن الله { كان بما تعملون } من الإحسان والصلح والإصلاح { خبيرا } فليس بترك الجزاء، وفى خطاب الأزواج بعد الغيبة والتعبير عن مراعاة حقوقهن بالإحسان، ولفظ التقوى المنبىء عن كون النشوز مما يتقى، وذكر الوعد لطف الاستمالة والترغيب فى حسن المعاملة،روى أن امرأة من أجمل النساء تطيع زوجها، وهو من أذم الرجال، وتحمد الله على ذلك، فلامها رجل، فقالت: هو من أهل الجنة لأنه شاكر، وأنا من أهلها لأنى صابرة، أو قالت: الحمدلله، فقال لها زوجها: علام؟ فقالت: لأنى رضيت مثلك، فصبرت، ورزقت مثلك فشكرت، وقد وعد الله الجنة للصابرين والشاكرين.
[4.129]
{ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النسآء } نظرا، وكلاما، وإقبالا، ومؤانسة، ونفقة وقسمة، وغير ذلك { ولو حرصتم } وصرفتم مجهودكم فى العدل،كما لا تستطيعون بلوغ حق الوالدين والميزان وأول الوقت، { فلا تميلوا كل الميل } بتعمد ترك ما قدرتم عليه من العدل وفى ذلك إباحة ما هو كالضرورى إلى الطاقة، فإنه من ترك ما قدر عليه عمدا فقد مال حينئذ كل الميل فى هذه الفعلة، كما أنه من خرج من الباب ولو مرة فقد خرج خروجا كليا، أى خالصا ولو رجع، وما لا يدرك كله لا يترك بعضه، وإن شئت فقل ما لا يدرك بعضه لا يترك كله، أو ما لا يدرك كله لا يترك كله، وكان صلى الله عليه وسلم لا تجب عليه العدالة ويعدل، ويقول:
" اللهم هذه قسمتى فيما أملك، فلا تؤاخذنى فيما تملك ولا أملك "
Unknown page