وإذا مرضت فهو يشفين
[الشعراء: 80]، وقدم الإصابة الأولى لأنها غرض المنافق الذى الكلام فيه { ليقولن } قولا أكيدا لشدة تحسره وندمه { كأن } أى كأنه، والهاء للشأن أو للقائل، وليست عالمة فى المحذوف على المشهور ولكن قدرته، وقيل بعملها إذا خففت { لم تكن بينكم } أيها المؤمنون { وبينه } بين القائل { مودة } محبة، والجملة حال أو معترضة من كلام الله عز وجل بين القول والمقول، وحكمة الاعتراض أو الحال التلويح إلى أن غمهم لفوز المسلمين شديد، كأنهم أجانب أعداء، إذ كانوا بمسرة عظيمة إذا أصيب المسلمون، وقيل كأن لم يكن الخ من كلام القائل والخطاب لضعفاء المؤمنين وللمنافقين سعيا فى إيقاع العداوة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم { يا ليتنى كنت معهم } أى انتبهوا ليتنى، أو يا قوم ليتنى كنت معهم، وليست متعلقة بقوله:
قال قد انعم الله على إذ لم أكن معهم شهيدا
[النساء: 72]، لإقحامه فى جملة أخرى، ولو كان مناسبا من حيث المعنى { فأفوز فوزا عظيما } بحظ من الغنيمة إن كانت، وبشهرة أنه ممن حضر فتح كذا، وممن هزم العدو وقتله، والمتبادر أن المراد بالفضل الغنيمة، وبالفوز أخذ الحظ منها، والآية تنادى أن لا مواصلة بينكم وبين المنافقين، وإنما يكونون معكم لمجرد المال وسترا على أنفسهم، والمراد بالمودة ما يظهر منها والأمر بخلافها.
[4.74-75]
{ فليقاتل فى سبيل الله } لإعلاء دينه { الذين يشرون الحياة الدنيا } أخر المبطىء أو أخر غيره، فليقاتل المخلصون الذين يبيعون الحياة الدنيا { بالأخرة } أو قد تأخروا، أو أخروا غيرهم ، فليتركوا ذلك ويقاتلوا، ويتركوا شراء الحياة الدنيا بالآخرة ويلتحقون بالمخلصين { ومن يقاتل فى سبيل الله فيقتل } شهيدا، مجزوم العطف والفتح نقل { أو يغلب } عدوه فى الله عز وجل، فالواجب على المجاهد أن يقصد بجهاده إعلاء الدين، ويثبت حتى يقتله العدو شهيدا، أو يغلب عدوه، ولا يكون غرضه الغنيمة، ولا أن يكون مقتولا، وقى القتال إعزاز الدين، قتل أو غلب، وفى موته إعزاز نفسه بالشهادة { فسوف نؤتيه أجرا عظيما } ترغيب فى الجهاد إذ كان فيه الأجر العظيم، سواء أكان مقتولا أو غالبا وتكذيب لقولهم قد أنعم الله على إذ لم أكن معهم شهيدا، وزاد تحريضا بقوله:
{ وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله } وفيه توبيخ لمن قصر { والمستضعفين } وفى تخليص المستضعفين، كقوله: علفتها تبنا وماء، أى وسقيتها ماء، فالعطف على سبيل، ولا مانع من ترك التقدير، لأن القتال سبيل الله، وسبيل للمستضعفين، لأن ما هو دين اله دين لهم، وشأن لهم، أو سبيلهم تخليصهم من أهل الشرك، فالعطف على لفظ الجلالة، والاستفعال فى المستضغفين للعد، أى المعدودين ضعفاء، أو للوجود، أى موجودين ضعفاء، أو للتعدية، أى صيرهم المشركين ضعفاء، وعلى كل حال لا يقدرون على الهجرة { من الرجال والنسآء والوالدان } النساء كلهن ضعاف إلا ما شذ، والولدان كلهم ضعاف، والرجال بعضهم ضعاف، فتجعل من البيان على تقدير مضاف، هو لفظ بعض، أى وهم بعض الرجال، وكل النساء والوالدان، ولك أن تقدر بعضا مراعاة للعهد الذهنى، إذ عهدوا أن فى مكة رجالا ضعفاء ونساء وولدانا حبسهم المشركون عن الهجرة وآذوهم، وضعفوا عن الهجرة لمرض أو ذل، أو كبر سن أو خوف، أو جهل طريق، أو نحو ذلك، قال ابن عباس رضى الله عنهما: كنت أنا وأمى من المستضعفين، أمه من النساء وهو من الولدان، وهو جمع ولد، ويجوز أن يراد بالولدان الإماء والعبيد أطفالا أو بلغا، يقال للعبد والأمة وليد ووليدة، وغلب العبد فيراد بالرجال والنساء الأحرار، والحرائر الشاملون للبلغ والصبيان، والمتبادر أن الولدان الصبيان، وفى الآية ذم للمشركين إذ كانوا يضربون النساء والضعفاء والصبيان مع ضعفهم وعجزهم عن القتال، ومع أن الصبيان لا ذنب لهم، وقد كانوا فى الجاهلية يستقسون بهم وستدفعون البلاء بهم، وجاءت السنة بالاستسقاء بهم { الذين يقولون ربنآ أخرجنا } ارزقنا خروجا بوجه ما { من هذه القرية } مكة { الظالم أهلها } أنفسهم بالشرك وغيرهم، بظلمة فى بدنه وماله وحبسه عن الخروج ودعائه إلى الشرك { واجعل لنا من لدنك وليا } يتولى أمرنا لمجير { واجعل لنا من لدنك نصيرا } يمنعنا من السوء، فاستجاب الله عز وجل دعاءهم فيسر الله جل وعلا خير ولى وخير نصير، وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أو هو عتاب ابن أسيد بفتح فكسر، فتح مكة، وولاه عليهم، أو الناصر الذى أعطاهم الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم انتصروا بفتحه، والولى عتاب، وعلى كل حال تولاهم عتاب، وهو ابن ثماني عشرة سنة ونصرهم، فكانوا أعزاء أهلها، ويسر الله سبحانه الخروج لبعض قبل الفتح، وقيل نصيرا بمعنى حجة ثابتة.
[4.76]
{ الذين ءامنوا يقاتلون فى سبيل الله } لإعلاء دينه فهو عز وجل ناصرهم ومثيبهم { والذين كفروا يقاتلون فى سبيل الطاغوت } الشيطان ولا ينفعهم بل يضرهم ويبرأ منهم إذ اشتد الأمر، فذلك ترغيب للمؤمنين فى الجهاد { فقاتلوا أوليآء الشيطان } أتباعه تغلبونهم لأن الله معكم { إن كيد } احتيال { الشيطان كان } من أوله أو صار بالإسلام { ضعيفا } لا يفيدهم شيئا، وضعفه بالنسبة إلى قوة الله فلا تخافوهم، وعظم كيد النساء بالنسبة إلينا على أنه من كلام العزيز، ومن كيده تحزيبه أولياءه الكفرة يوم بدر وخابوا وهرب، وقال:
إنى أرى ما لا ترون
Unknown page