والمحصنت من الذين أوتوا الكتب من قبلكم
[المائدة: 5] والصحيح أنه تخصيص من هذه الآية العامة ، بل وقع كثيرا فى القرآن التعبير بلفظ الشرك فى مقابلة أهل الكتاب مع أنهم مشركون أيضا { ولا تنكحوا المشركين } لا تصيروهم ولو أهل كتاب أزواجا للمؤمنات { حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن } فكيف الحر المؤمن، وهذا أولى من أن يقال أراد عبدالله حرا أو مملوكا كما مر، والتنكير هنا وفى قوله، ولأمة... الخ للعموم فى الإثبات، كذا قيل، قلت: لا إلا أن يراد العموم البدلى، والتفضيل هنا على حد ما مر فى قوله تعالى { ولأمة مؤمنة... } الخ، ولا يصح ما قيل فيهما أعظم في خيريتهما من المشرك والمشرك فى شريتهما { خير من مشرك } حر ولو كتابيا { ولو أعجبكم } لمرتبته فى المال والعز والنسب ونحو ذلك، وعلل ذلك بقوله { أولئك } إشارة إلى المشركات والمشركين، لأن المراد بمشرك ومشركة العموم، إما شموليا، وإما بدليا، والبدلى يجوز معه صيغ الجموع، لأن ما صدقه العموم، ولا تغليب فى أولئك، لأنه وضع للذكور، وللإناث، ولهما معا { يدعون } الواو تغليل للذكور { إلى النار } إلى الشرك وما دونه مما يوجب النار أو يدعون إليها بدعائهم إلى ذلك فلا تتزوجوا نساءهم، ولا تزوجوهم نساءكم، لأنهم أهل لأن تقصوهم لا أن تنفعوهم ولئلا تكسبوا منهم سوءا { والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة } أى أولياءه من النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين والمؤمنات يدعون إلى الجنة والمغفرة بالدعاء إلى موجبهما، أو يدعو إلى موجبهما، وقدرنا أولياءه لتتم المقابلة، لقوله تعالى، أولئك، مخلوق لمخلوق ولو لم يقدر لجاز، وفى ذكر لفظ الجلالة نيابة عن ذكرهم إعظام لهم إذ جعل دعوتهم دعوة لله، كما جعل محاربتهم محاربة لله، فى قوله تعالى: يحاربون الله، ويدل لمراعاتهم قوله { بإذنه } إذ لا معنى لقولك، الله يدعو بإذن الله، وأيضا مراعاتهم أنسب بقوله أولئك يدعون إلى النار، ويصح، الله يدعو بإذن الله، بمعنى بقضائه وإرادته وتوفيقه، وقدم الجنة لمقابلة النار قبلها ابتداء، ولأنها نفس المراد الذى يتنافس فيه، ولو كان تحلية، والمغفرة تخلية مقدمة بالزمان، وقدمت على الجنسة فى قوله، سارعوا.
.. الخ مراعاة لحق تقديم التخلية على التحلية، ولحق تقدم زمانها { ويبين ءايته للناس } ينزلها بينة واضحة، كقولك، وسع فم البئر، تريد ابتدعها واسعة الفم، وأدر جيب القميص، وذلك غالب، وفى القرآن متشابه ومجمل، وكل تفصيله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأردت بالإجمال مثل الصلاة والزكاة، وقد يدخل فى البيان، إذ لم يتشابه { لعلهم يتذكرون } فيعملون بمقتضى الآيات، ويتعظون على المعاصى، ويعرفون قبحها، فينالون المغفرة والجنة، والصحيح أن استعمال لعل فى ترجى المخاطب أو فى التعليل مجاز.
[2.222]
{ ويسئلونك } كانت الأسئلة الثلاثة بالعطف لوقوعهن فى وقت واحد فى العرف، وهو وقت السؤال عن الخمر والميسر، وغير الثلاثة بلا عطف، لوقوع كل فى وقت غير الآخر، فكل واحد منقطع عما قبله بالوقت مستأنف { عن المحيض } عن الحيض، مصدر ميمى شذوذا، والقياس محاض، وقيل قياسا، لوروده كالمجىء والمبيت، أو زمان الحيض أو مكانه، وهو الفرج، قياسا، أو نفس الدم، وقيل، إذا كان الفعل يائى العين كسر مفعل منه مكانا أو زمانا، وفتح مصدرا، وقيل بجواز الفتح والكسر فى الثلاثة، أو يسألونك عن ذوات المحيض، أو عن الحائضات مجازا، أو نفس ذلك الدم، وما يفعلون معهن زمانه وفى الفرج { قل هو } أى الحيض الذى ذكره بلفظ المحيض، أو بتقدير ذوات، أو الحيض المعلوم من لفظ المحيض بالمعانى الأخرى { أذى } أو الدم المعبر عنه بالمحيض ذو أذى، وذلك مضر لمن يقربه، أو هو نفس الضر مبالغة، أو الأذى الخبث، شبه بما يؤذى لجامع الكراهية، روى مسلم والترمذى عن أنس،
" أن اليهود وبعض المسلمين كانوا إذا حاضت المرأة عندهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها فى البيوت، أى لم يساكنوها، فسأل الصحابة، أى أبو الدحداح ومن معه، النبى صلى الله عليه وسلم، فنزلت فقال صلى الله عليه وسلم، افعلوا كل شىء إلا النكاح "
، وكذلك كانت الجاهلية والمجوس والمسلمون فى المدينة. قبل نزول الآية { فاعتزلوا النساء فى المحيض } أى جماعهن فى زمان الحيض، أو موضع الحيض، وهو الفجر فقط، لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما أمرتم بعزل الفروج، ويجوز بين السرة والركبة، ويكره ما يدعو للفرج ، فقوله صلى الله عليه وسلم: يحل من الحائض ما فوق الإزار، وقوله جامع زوجتك فوق الإزار، وقوله لسائله، لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها، تحذير وسد للذريعة، بدليل قوله: إنما أمرتم بعزل الفروج وبدليل الآية فإن المراد فيها النهى عن الجماع المعتاد، فغير المعتاد مما لم يرد تحريمه جائز، وهو جماعها فى غير القبل وغير الدبر فجاز، ولو فى فمها، ومنع بعض جماعها فى فمها قياسا على الدبر، وبعض منع الإمناء فيه، والتحقيق الجواز لأنه فوق الإزار، وحرم بعض ما بين السرة والركبة للأحاديث، وقد علمت أن المراد بها التحذير من مواقعة الفرج لا التحريم، وجماع الحائض فى القبل يورث الجذام للولد، كما فى الخبر، { ولا تقربوهن } للجماع، وهو مؤكد لما قبله، قد يحمل الإنسان مشقة عن لذة يسيرة فأمروا بالاعتزال أولا، ونهوا عن القرب ثانيا، فجمع بين الأمر والنهى تأكيدا، والنهى عن القرب إلى الفعل أقوى من النهى عن الفعل، وما يؤدى إلى الجماع فى الفرج قرب، غير أن الشرع أجاز الوطء فى غير الفم، وقد بان لك ألا تقربوهن ليس نفس اعتزلوا.
. الخ فى المعنى، فلذلك صح عطفه، ولا سيما أنه قيد بقوله { حتى يطهرن } إن لم يجعل قيدا لاعتزلوا. أى يطهرن بالقصة البيضاء، أو ببلوغ أقصى الوقت والانتظار، ويتطهرن بالماء أو بالتيمم إن لم يجدن الماء، أو استعماله، إلا تعد عندنا القصة البيضاء، وعند مالك التيبس، فالمبتدئة عندنا تتم أقصى الحيض، وهو عشرة أيام، إن لم ترها، وتنتظر للدم يومين، ولغيره يوما وليلة، وهكذا إلى ثلاث حيضات، وبعدهن تأخذ بالتيبس إن رأته فى العشرة، ومن يجيئها التيبس ثم بعد ذلك القصة أخذت بها وألغته، ومن كانت تراها ثم كانت لا ترها ثلاث حيضات أخذت بالتيبس، وإن رجعت إليها القصة رجعت إليها. { فإذا تطهرن } بالماء أو بالتيمم بعد الطهر، أو خرج وقت الصلاة ولم يتطهرن تضييعا، ويجوز تفسير يطهرن بيتطهرن بالماء، وإنما ذلك فى الوقت وما يلتحق به وهو ضعيف { فأتوهن } كناية عن الجماع، وقال أبو حنيفة: يحل الجماع بانقطاع الدم لأكثر الحيض، وإلا فلا بد من الاغتسال، أو مضى وقت صلاة بعد الانقطاع، والأمر هنا للإباسة { من حيث أمركم الله } لا تأتوهن فى حال الحيض، وهو القبل، وفى الصوم والاعتكاف، والإحرام منكم أو منهن، وإن فعلت ذلك بغير إذن منه وفى غير واجب فله نقضه عنها بالجماع، والأفضل اجتناب نقضه، فإذا جاء فى القبل فأولى أن يجوز فى سائر الجسد غير الدبر، وذلك أن الاعتزال عن الجماع كما بينه الحديث، وبين جواز غير الفرج، والمعروف الجائز قبل هو القبل بالتزويج أو بالتسرى، فلا يجوز الدبر من المرأة ولا من الطفل إذ لا يكون زوجا لرجل أو لطفل آخر، وجاء الحديث بتحريم الوطء فى الدبر والحيض واللواط { إن الله يحب التوابين } من الذنوب، أى يثيبهم، أو يمدحهم، أو ينعم عليهم، أو لا يعذبهم ونحو ذلك من لوازم الحب، قال جابر بن عبدالله: جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال:
" يا رسول الله، أصبت امرأتى وهى حائض، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتق نسمة "
، وقيمة النسمة حينئذ دينار، قلت: وتمسكوا بهذا فجعلوا على المجامع فى الحيض دينارا، ثم إنه سموه دينار الفراش، وقيل، إنه أمر بالنسمة، فإن وجدت بأقل أجزت، أو بأكثر وجب الأكثر، وقالوا فى الدم الأصفر نصف دينار، وقيل، وقيل { ويحب المتطهرين } المتنزهين عن جماع الحائض والدبر، وقدم التوبة لأنها تخلية، وهى أحق ما تقدم، وينبنى عليها التطهر وتستجلبه، وتسلى التائب بأنه كالمتطهر لا لوم عليه، ولئلا يقنط، ولا يعجب من لم يذنب، وكرر يحب تأكيدا، إذ لو لم يتكرر لكفى الأول فى أن علة الحب التوبة والتطهر، وصيغة الثواب والمتطهر إرشاد لتحصيل المبالغة فى التوبة والطهارة، فلا ينافى أن التائب والطاهر محبوبان الله أيضا.
Unknown page