129

Taysīr ʿilm uṣūl al-fiqh

تيسير علم أصول الفقه

Publisher

مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م

Publisher Location

بيروت - لبنان

Genres

الأسوَدَ والأبيضَ إلاَّ فُلانًا وفُلانًا» ناسًا سمَّاهم، فأنزل الله ﵎: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾ [النحل:١٢٦]، فقال رسول الله ﷺ: «نصْبِرُ ولاَ نُعَاقِبُ» [أخرجه عبدُالله بن أحمد في «زوائد
المسند» ٥/١٣٥ بإسنادٍ جيِّدٍ، وبنحوهِ عندالتِّرمذيِّ والنَّسائي في التَّفسيرِ] .
وهذا النَّوعُ من التَّركِ لا تخفَى شرعيَّةُ الاقتِداءِ فيهِ.
٨ـ أن يترُك ﷺ الشَّيءَ المطلوبَ دفعًا للمفسدَةِ الأكبرِ.
وهذا كالَّذي حدَّثتْ به عائشة ﵂: أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال لها: «يا عائشة، لولاَ أنَّ قومَكِ حديثُ عهدٍ بجاهليَّةٍ، لأمرتُ بالبيتِ فهُدِمَ، فأدْخلتُ فيه ما أُخرِجَ منهُ وألزَقْتُه بالأرضِ، وجعلتُ لهُ بابينِ بابًا شرقيًّا وبابًا غربيًّا، فبَلَغْتُ بهِ أساسَ إبراهيمِ» [متفقٌ عليه] .
فهذا تركٌ منهُ ﷺ خشيَةَ أن يقعَ بالفِعلِ مفسَدَةٌ تربُو على هذه المصلحَةِ، وقد فعلَ ذلكَ عبدُالله بن الزُّبيرِ في خلافَتِهِ ظنًّا منهٌُ أنَّ المحذُور قدْ زالَ، فلمَّا قُتلَ أعادَهُ بنُوأُميَّة كما كانَ، كما جاءَ ذلكَ في بعضِ رواياتِ مسلمٍ.
وهذا من التُّروكِ هديٌ عظيمٌ للعلماءِ والآمرينَ بالمعروفِ والنَّاهينَ عن المُنكرِ، أنْ يُقدِّرُوا في أفعالهم وتُروكهِم المصالحَ والمفاسدَ، فإنْ غلبَ ظنُّ جانبِ المفسَدَةِ بالفعلِ فالسُّنَّةُ التَّركُ، وإنْ

1 / 134