يعرفون حقيقةَ الإسلام، ولا ماهية التوحيد، فصاروا حينئذ كفارًا كفرًا أصليَّا، فإنَّ الله تعالى فَرَضَ على عباده إفرادَه بالعبادة ﴿أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ﴾، وإخلاصها له [٩٨: ٥] ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾، ومَن نادى الله ليلًا ونهارًا وسرًّا وجهارًا وخوفًا وطمعًا، ثمَّ نادى معه غيرَه فقد أشرك في العبادة، فإنَّ الدعاءَ من العبادة، وقد سمَّاه الله تعالى عبادةً في قوله تعالى: [٤٠: ٦٠] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ بعد قوله: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾
فإن قلتَ: فإذا كانوا مشركين وجَب جهادُهم، والسلوك فيهم ما سلَكَ رسولُ الله ﷺ في المشركين.
قلتُ: إلى هذا ذهب طائفةٌ من أئمَّة العلم١، فقالوا: يَجب أوَّلًا دعاؤهم إلى التوحيد، وإبانةُ أنَّ ما يعتقدونه ينفعُ ويَضر، لا يغني عنهم من الله شيئًا وأنَّهم أمثالهم٢، وأنَّ هذا الاعتقاد منهم فيه شركٌ لا يتم الإيمانُ بما جاءت به الرسلُ إلاَّ بتركه والتوبة منه، وإفراد التوحيد اعتقادًا وعملًا لله وحده.
وهذا واجبٌ على العلماء، أي: بيان أنَّ ذلك الاعتقاد الذي تفرَّعت عنه النذور والنحائر والطواف بالقبور شركٌ محرَّم، وأنَّه عينُ ما كان يفعله المشركون لأصنامهم، فإذا أبان العلماءُ ذلك للأئمَّة والملوك،
_________
١ يوهم هذا وجود طائفة أخرى من أئمَّة العلم لا ترى ما تراه هذه الطائفة منهم، وهو خلاف الحق، والمسألة مسألة نصوص الوحي لا مسألة خلاف (إسماعيل) .
٢ إشارة إلى قوله تعالى ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا﴾، وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ .
1 / 66