Tasliyat al-majālis wa-zīnat al-majālis – al-juzʾ 1
تسلية المجالس و زينة المجالس - الجزء1
Genres
(ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) (1)، والعبث لا يليق بحكمته، والإغراء بالقبيح لا يحسن بصفته.
وجب في لطفه إعلامهم بما فيه صلاحهم في دنياهم واخراهم، وفي عدله تعريفهم مبدأهم ومنتهاهم، وجعل لهم قدرة واختيارا، ولم يجبرهم على فعل الطاعة وترك المعصية اضطرارا، بل هداهم النجدين، وأوضح لهم السبيلين.
ولما كانت كدورات الطبيعة غالبة على نفوسهم ، وظلمة الجهالة مانعة من تطهيرهم وتقديسهم، والنفس الأمارة تقودهم إلى مداحض البوار، والشهوة الحيوانية تحثهم على ارتكاب موبقات الأوزار، والوسواس الخناس قد استولى بوساوسه على صدورهم، وزين لهم بزخارفه مزالق غرورهم، فوجب في عدله وحكمته إقامة من يسوقهم بسوط لفظه إلى ما يقربهم من حضيرة جلاله، ويزجرهم بصوت وعظه عما يوبق أحدهم في معاشه وماله، إذ أنفسهم منحطة عن مراتب الكمال، غاوية في مسالك الوبال، منخرطة في سلك أن النفس لأمارة بالسوء إلا من رحم (2)، غارقة في لجة الجهل إلا من عصم، تقصر قواها عن تلقي نفحات رحمته، وتضعف مراياها لعدم جلاها عن مقابلة أشعة معرفته.
فأقام سبحانه لهم حججا من أبناء نوعهم، ظاهرين في عالم الانسانية، باطنين في عالم الروحانية، فظواهرهم أشخاص بشرية، وبواطنهم أملاك علوية، قد توجهم سبحانه بتيجان الحكمة، وأفرغ عليهم حلل العصمة، وطهرهم من الأدناس، ونزههم عن الأرجاس، فشربوا من شراب حبه (3) أشغلهم به عمن سواه، واطلعوا على أسرار ملكوته فما في قلوبهم إلا إياه، لما انتشت نشاءة
Page 184