وفجأة بدا له في المنام ذلك الشيخ النوراني. - إلام بقاؤك هنا يا سامي؟ - وما الضير في ذلك؟ - أهكذا تريد أن تقضي حياتك؟ - وهل ما زالت لي حياة بعد الذي صنعت؟ - إنك لست علام الغيوب. - أستغفر الله العظيم. - إذن فأمامك الحياة كلها. - في السجن؟ - هذا ليس من شأنك. - وهل في هذا شك؟ - إن الله وحده الذي يعرف ما الذي يخفيه الغد. - أولا تخبرني؟ - أستغفر الله العظيم! - إذن كيف أعود إلى الحياة وقد قتلت نفسا بغير نفس؟ - إنك عائد لا محالة. إن لم يكن اليوم فغدا، فهذا البناء الذي تشارك في بنائه لن يستغرق من حياتك إلا وقتا ضئيلا. - هذا حق. - عد من غدك، وانظر في أمرك. - والسجن؟ - واجه حياتك. - بما فيها أبي؟ - ربما كنت أنت خير من يواجه أباك. - أنا؟ - أنت تحفظ القرآن، وأنت عظيم الإيمان، وقد وهب الله لك قوة لا مثيل لها، فمن يواجهه إذا لم تواجهه أنت؟ - وتهمة القتل التي تلاحقني؟ - أنت لم تقتل عمدا، ولئن تسجن فترة ثم تخرج إلى الحياة خير من أن تحكم أنت على نفسك بالسجن داخل نفسك مدى الحياة. - هل أعود إذن؟ - واجه مصيرك. - وأبي؟ - وماذا عن أبيك؟ - إنه أبي. -
وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون . - أومشرك هو؟ - لقد أشرك مع الله نفسه، وتأله في الأرض، وأفشى الظلم بين الناس، وأصاب منهم الأموال والأرواح. - وماذا أنا مستطيع قبله؟ - بالإيمان ستواجهه، وبالعلم. - وأخي؟ - ماذا ترى فيه؟ - إنه قطعة مني. - ففيم خشيتك؟! - سيؤازرني. - فتوكلا على الله. - إنه نعم المولى. - وإنه نعم النصير.
وصحا سامي من غفوته، ونظر إلى النار، فوجد الجذوة فيها أقوى من النور، فراح يردد كلمات الله سبحانه وتعالى:
فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين
صدق الله العظيم.
13
وصل إلى القاهرة والشمس تميل إلى الغروب، وركب السيارة العامة التي تؤدي إلى الجيزة، وكان قد عرف كيف يركبها من زميله سلمان المعسراني، الذي أشار عليه أن ينزل في شقة بعمارة بشارع رستم بالجيزة تعود صاحب البيت أن يؤجرها لطلبة الجامعات.
نزل في ميدان الجيزة منفذا تعليمات سلمان، وبدأ يسأل المارة عن شارع رستم، وراح كل واحد يدله على طريق يتضارب مع الطريق الذي دله عليه الآخر. وتلوي به السبيل، وتشابكت الشوارع والسبل، وأقبل الليل، وحل الظلام إلا قليلا من نور يتلصص من نوافذ المنازل، وفي عتمة من طريق سمع أصوات قوم تأتي إليه خافتة، ولكنها حاسمة. وكان سامي ذا سمع حاد، فاقترب قليلا، ثم رأى ثلاثة نفر ملتفين حول فتاة، وسمع أحدهم:
ستأتين معنا شئت أم أبيت.
ولم يسمع سامي إجابة.
Unknown page