180

Tarikh Tarjama

تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي

Genres

من بلدة القنايات بمديرية الشرقية ومن شيوخ الأزهر، وتلاميذ العطار، بدأ عمله في الحكومة المصرية واعظا لأحد الآلايات التي سارت إلى الشام في سنة 1832 / 1248.

17

ولسنا نعرف بالتحديد متى ألحق بمدرسة الطب، ولكنا نعرف أنه التحق والشيخ التونسي بها في وقت متقارب، وأنهما كانا يتعاونان - في أكثر الأوقات - على مراجعة وتصحيح الكتب المترجمة، ويشركان معهما في هذا العمل «الدكتور برون»؛ فقد قام الشيخ التونسي بتصحيح كتاب «روضة النجاح الكبرى في العمليات الجراحية الصغرى» الذي ترجمه الدكتور محمد علي البقلي، وطبع سنة 1259، فلما طبع منه ما ينوف على ثلاثين ملزمة كما يقول الأستاذ القناياتي: «سلمه إلي لكونه مشغولا بغيره من الكتب المحتمة الطبع، وللمدرسة لازمة، فشمرت الذيل في تصحيحه وترتيبه، واستنهضت الرجل والخيل في تنقيحه وتهذيبه، واجتنبت فيه الإسهاب والإطناب، والتزمت فيه جزالة العبارة ليسر أولي الألباب.»

ويقول الشيخ القنياتي بعد ذلك في نفس المقدمة: «ولطالما كنا (أي هو والتونسي) نقابله على أصله بحضرة وملاحظة من بلغ ذروة تلك العلوم، وعلى أقصى درجة في منطوقها والمفهوم، الماهر اللبيب، اللوذعي الأديب الحكيم الكيماوي، حائز فرائض تلك الفنون، ناظر مدرسة الطب البشري الشهير بيرون، ولكونه يحسن اللغتين الفرنساوية والعربية، وله بهذا الفن خبرة وحسن روية صار يقتنص إلى هذا الكتاب كل عويصة شاردة، ويرد إليه كل فريدة دقيقة الفهم نادرة آبدة.»

كذلك اشترك الشيخان في تصحيح كتاب «التنقيح الوحيد في التشريح الخاص الجديد» الذي ترجمه الدكتور محمد الشباسي، وتم طبعه في بولاق سنة 1266، وهو كتاب ضخم من ثلاثة أجزاء كبار، يقول الشيخ التونسي في مقدمته: «ولما تم ترجمة وإتقانا، وتهذيبا وإحسانا، وكل أمر تصحيحه إلى حضرة المصحح الأول، من كان عليه في مساعدتي المعول، الأخ المواتي، الشيخ سالم عوض القنياتي، فصحح منه الجزء الأول، وعاقه الرمد عن الثاني، فشرعت في تصحيح ما بقي منه بدون تواني.»

ويبدو أن مقام الشيخين كان واحدا؛ فقد كان لهما الصدارة بين بقية المصححين، ولكن وثائق العصر تلقب الشيخ سالما «بالمصحح الأول» بينما تلقب التونسي «بالباشمصحح». (1-5) الشيخ محمد عمر التونسي

هو نابغة المصححين والمحررين، وزعيمهم جميعا في ذلك العصر، وقد أهلته لهذا المنصب ثقافة واسعة جناها من الكتب أولا، ومن رحلاته العديدة ثانيا.

وحياة هذا الرجل عجيبة من عجائب ذلك العصر، فهو تونسي أصلا ومولدا، وإن كانت أمه مصرية وقد عشقت أسرته الرحلة، فعاش هو وأبوه وجده في مصر وبلاد العرب والسودان أكثر مما عاشوا في وطنهم الأصلي تونس.

ولد الشيخ محمد عمر في 27 يوليو 1789/منتصف ذي القعدة 1204، ثم نشأ نشأته الأولى في مصر وكان أبوه قد رحل إلى السودان باحثا عن أبيه، فأعجبته الحياة هناك فاستقر بتلك البلاد، ونال الحظوة الكبرى عند سلطان دارفور عبد الرحمن بن أحمد (توفي 1214 / 1799)، ولما ضاقت سبل الرزق في وجه محمد رحل هو أيضا إلى دارفور باحثا عن أبيه ، وقد أقام هناك مدة طاف في خلالها بأرجاء دارفور وواداي، ثم عاد إلى مصر في الوقت الذي كانت تتأهب فيه حملة المورة بالمسير فعين واعظا للآلاي الثامن من آلايات تلك الحملة.

وفي سنة 1832 (وهي السنة التي سافر فيها الرشيديان إلى باريس) عاد إلى مصر مع الحملة فاختير مصححا بمدرسة الطب، وهناك تعرف على الدكتور «برون» وأعجب كل منهما بالآخر، وتتلمذ برون على التونسي، وقرأ عليه كتاب كليلة ودمنة وكتبا أخرى، وتعاونا معا على مراجعة الكتب الطبية العربية لاختيار المصطلحات التي تيسر لهم ترجمة الكتب الفرنسية، وفي جلساتهما الخاصة تحدث التونسي إلى صاحبه عن مشاهداته في بلاد السودان، فأوعز إليه أن يسجلها في كتاب خاص. يقول التونسي: «فذكرت له بعض ما عانيته في أسفاري من العجائب فحملني على أن أزين وجه الدفتر بإيضاح ما شاهدته، فامتثلت أمره لما له علي من اليد البيضاء.»

Unknown page