وتحدث ابن جبير عن عناية المكيين بحفلاتهم فقال : انه رآهم ليلة رجب يحتفلون بالعمرة فيخرج النساء اليها بالهوادج يسيل بها أباطح مكة حتى لا يبقى في مكة من أهلها الا من خرج للعمرة وقد زينت الهوادج بقلائد من الحرير وفاضت عليها الأستار المزركشة التي تسحب أذيالها على الأرض (1) وفي صباح رجب يخرج الأمير الى العمرة في حشد عظيم ويخرج المعتمرون قبيلة قبيلة وحارة حارة فرسانا ورجالا يتواثبون ويتثاقفون الأسلحة حرابا وسيوفا في حذق عجيب وكانوا يرمون السيوف في الهواء ثم يتلقونها قبضا على قوائمها كأنها لم تفارق أيديهم بالرغم من شدة زحامهم فاذا عاد الأمير من العمرة هرع الى المسجد وشرع يطوف في حشده العظيم (2).
وطواف الأمير في هذا العهد له طرافته وقد شهد ابن جبير الأمير مكثر يطوف في حاشيته فوصفها باسهاب ويتلخص ذلك في أن للأمير قراء يتقدمون موكبه الى الطواف يتقدمهم رجال الحرس من السودان شارعين حرابهم فإذا بدأ الطواف شرع مؤذن صبي يبلغ الحادية عشر وهو أخو المؤذن الزمزمي يغرهد فوق قبة زمزم داعيا للأمير فإذا بدأ الأمير من الركن اليماني قال : صبح الله الأمير بالسعادة الدائمة والنعمة الشاملة ثم يصل ذلك بكلام مسجوع مطبوع حفيل بالدعاء ثم يختمه ببعض ابيات من الشعر في مدحه فإذا شرع في الشوط الثاني اندفع بدعاء آخر ووصله بابيات غيرها من الشعر وظل على ذلك الى نهاية الطواف (3)
Page 284