وما قحطان لي بأب وأم
ولا تصطادني شبه الضلال
وليس إليهم نسبي ولكن
معديا وجدت أبي وخالي
ومن أراد أن يطلع على سلاسل قبائل العرب وشجرات أنسابهم فعليه «بسبائك الذهب في معرفة قبائل العرب» للسيد محمد أمين السويدي البغدادي، فهو كتاب قد جمع فأوعى في هذا الباب. على أن إفراط العرب في التمسك بأنسابهم قد أوجد بينهم من العصبية بعضهم على بعض ما لا يوجد في أمة سواهم، حتى إن «دوزى» الهولندي الممدود من أوسع المستشرقين علما ذكر في كتابه عن مسلمي إسبانيا أن العداوة التي بين العدنانية والقحطانية قد تكون أشد من العداوة التي بين العرب والأعاجم. والحقيقة أن هذه العداوة نفسها هى التي كانت الأصل الأصيل في فقدهم الأندلس، بل في نكوصهم عن قلب أوروبا بعد أن وطئوه بأقدامهم، وكادوا يستولون على تلك القارة. وقد كانوا كلما تم لهم الظفر في واقعة على الأجانب عادوا فاقتتلوا فيما بينهم بين قحطاني ومضري، ففشلوا وذهبت ريحهم، واضطروا أن يعودوا من حيث أتوا. ولم ينحصر ضرر هذه العصبية في الأندلس والمغرب، بل قد أفنت القبائل العربية بعضها بعضا في المشرق أيضا، وصرفتهم عن التبسط في الفتوحات، فما كانوا قد حازوه بشجاعتهم وعلو هممهم فقد فقدوه في منازعاتهم الداخلية بوقوع بأسهم بينهم، لاسيما بين هذين القبيلتين؛ قيس واليمن. وكثيرا ما كانت تقتتل ربيعة ومضر وكلا الفريقين من العدنانية، ونظرا لكون مضر أكثر عددا كانت ربيعة تلجأ إلى اليمن حتى تقف في وجه مضر. وكل عربي تنزع فيه العصبية إلى قومه، فلا يسلم من ذلك أحد، حتى الملوك والخلفاء كانوا يتعصبون للقبائل التي هم منها وهم مع ذلك سادة الجميع.
ومن الأمثال التي تدلك على غلوهم في هذا الباب أن جرير بن عطية الشاعر - وكان من تميم - قال في إحدى مفاخراته للأخطل التغلبي:
إن الذي حرم المكارم تغلبا
جعل النبوة والخلافة فينا
مضر أبي وأبو الملوك جميعهم
فاعلم فليس أبوكم كأبينا
Unknown page