هو أبو عبد الله محمد بن مسلم، ولد بالكوفة سنة 213ه، وتثقف على أهلها، وسكن بغداد، ثم ولي القضاء في «دينور» فنسب إليها، واشتغل بالتدريس في بغداد وتوفي بها عام 276ه. كان راوية صادقا فيما يرويه، وكان حر الرأي جريئا في أحكامه، عالما باللغة والشرع، ويعتبر في النحو إمام مدرسة بغداد النحوية التي خلطت مذهب مدرسة البصرة بمذهب مدرسة الكوفة، واشترك في مناقشة عصره الكلامية، ومع أنه دافع عن القرآن والحديث ضد نزعة الشك الفلسفي وحمل على رجالها إلا أنه اتهم مع ذلك بالزندقة، ويقولون إنه ألف كتابا في الرد على المشبهة ليدرأ عن نفسه تهمة الانتساب إليهم. وأهم تصانيفه الأدبية كتابه أدب الكاتب، ومن مصنفاته غريب الحديث، وله: عيون الأخبار، وكتاب المعارف، وكتاب الإمامة والسياسة، وكتاب مشكل القرآن، والمشتبه من الحديث والقرآن، وتأويل مختلف الحديث.
ومما يذكر عن ابن قتيبة أنه عاصر الجاحظ وكان يكرهه، وقد ذكر في كتابه «تأويل مختلف الحديث» بأن الجاحظ يذكر حجج النصارى في الرد على المسلمين بأقوى مما يذكر الرد عليهم، وأنه يستهزئ بالحديث كذكره كبد الحوت وقرن الشيطان وذكر الحجر الأسود وأنه كان أبيض فسوده المشركون وقد كان يجب أن يبيضه المسلمون حين أسلموا، وأنه كذاب يضع الحديث وينصر الباطل، وأنه ملأ كتبه بالمضاحيك والعبث يريد بذلك استمالة الأحداث وشراب النبيذ. وربما كان سبب الخصومة بينهما أن الجاحظ معتزلي متكلم وابن قتيبة من أهل السنة والنزاع بين الطائفتين شديد عنيف. (9) ابن النحاس
هو بهاء الدين محمد بن إبراهيم بن محمد، ولد بحلب سنة 627ه، وهاجر إلى مصر عندما خربت حلب، بعد أن سمع من ابن المثنى والموفق بن يعيش وغيرهما، وجلس للإفادة في مصر، وتخرج به جماعة من الأئمة الفضلاء. كان ذكيا ذا خبرة بالمنطق، فيه ظرف النحاة وانبساطهم، وكان حسن الأخلاق له صورة كبيرة في صدور الناس حتى كان بعض القضاة إذا انفرد بشهادة حكمه فيها وثوقا بدينه، وكان معروفا بحل المشكلات والمعضلات. وقد درس بالمنصورية، وولي تدريس التفسير بالجامع الطولوني، ولم يصنف شيئا إلا ما أملاه شرحا لكتاب المقرب، وكان أبو حيان من تلاميذه. توفي سنة 698ه. (10) أبو حيان
هو أثير الدين محمد بن يوسف الغرناطي، بربري الأصل، ولد في غرناطة عام 654ه، ودرس النحو والحديث فيها ، وتنقل في شمال أفريقية ومصر، واتجه إلى الحجاز وأدى فريضة الحج، ثم عاد إلى القاهرة وأخذ يدرس الحديث في المدرسة المنصورية فيها.
كان ظاهري المذهب حتى لقد قال عنه ابن حجر إنه كان ظاهريا حتى في النحو. وربما كان قصده من قوله هذا أنه كان شديد التمسك بآراء النحويين الأوائل كسيبويه مثلا.
وقد شهر أبو حيان هذا بالنحو، على أنه كانت له مصنفات في علوم القرآن والحديث، ويقولون إنه كتب كتابا في تاريخ الأندلس يقع في ستين مجلدا.
كان أبو حيان أعجوبة زمانه في كثرة التأليف، حتى قالوا إن مؤلفاته قد بلغت الخمسة والستين عددا، على أن الذي وصلنا منها لا يزيد على العشرة. وكان أعجوبة زمانه في سرعة تعلم اللغات؛ فهو بربري الأصل كما مر أتقن العربية وبرز في نحوها، وأتقن الفارسية وصنف كتابا في نحوها، وأتقن الكردية وصنف كتابا في نحوها، وكتابه هذا كان ذا فائدة جليلة طبع بالقسطنطينية واسمه «الإدراك في لسان الأتراك»، وتعلم الحبشية وكتب رسالة لم يتمها فيها. وتوفي بالقاهرة عام 745ه . (11) أبو الأسود الدؤلي
هو ظالم بن عمرو، منسوب إلى دئل وهي بطن من كنانة، قال الجاحظ: «أبو الأسود معدود في طبقات من الناس وهو في كلها مقدم مأثور عنه الفضل في جميعها؛ كان معدودا في التابعين، والفقهاء، والشعراء، والمحدثين، والأشراف، والفرسان، والأمراء، والدهاة، والنحويين، والشيعة، والبخلاء.» كان أبو الأسود ثقة في حديثه، روى عن عمر وعلي وابن عباس وأبي ذر وغيرهم، على أنه كان أكثر الناس تعلقا بعلي وعنه أخذ علم النحو كما مر بك. وقد ولي قضاء البصرة، وقد أدرك أول الإسلام وشهد بدرا، وتوفي بالطاعون عام 69ه وله من العمر 85 سنة. ولأبي الأسود شعر أكثره في الحكمة والأدب. ويرى بعض الكتاب المحدثين أن الكثير من هذه الأخبار التي أسندت لأبي الأسود قد وضعت عليه، حتى يقول المستشرق ركندورف
Reckendorf
في مقالة عنه في دائرة المعارف الإسلامية: «وليس حقا ما يقال عنه إنه واضع أصول النحو العربي. أما القصص التي تروى عنه فليست مما يعلي من قدره، ولكن يؤخذ من أشعاره أن بعض هذه القصص على الأقل قد أحكم تلفيقه.» (12) أبو علي الفارسي
Unknown page