وأشهر المعاجم التي جادت بها أقلام اللغويين في المائة الثامنة: (1)
لسان العرب لأبي الفضل محمد بن مكرم الأفريقي ويعرف بابن منظور، المتوفى سنة 711ه . وهذا المعجم من أوثق المعاجم وأجدرها بالاعتماد، وهو من أوسع ما وصل إلينا من المعاجم المعتبرة. (2)
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير لأحمد بن محمد المقري الفيومي المتوفى سنة 770ه، شرح فيه ما جاء من غريب الألفاظ في شرح الوجيز في فقه اللغة الشافعية للرافعي فهو من قبيل كتاب المغرب في ترتيب المعرب للمطرزي، قال في آخره: وكنت جمعت أصله من نحو سبعين مصنفا ما بين مطول ومختصر. (3)
مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، اقتصر فيه على ما لا بد منه في الاستعمال ولا سيما ما يحتاج إليه في شرح غريب بعض الآثار وضم إليه كثيرا من تهذيب الأزهري وغيره.
ثم دخلت المائة التاسعة، وفيها ألف مجد الدين الفيروزبادي الشيرازي كتابه الذي أسماه «القاموس المحيط والقاموس الوسيط الجامع لما في كلام العرب من شماطيط» واشتهر باسم القاموس، وقد كان مؤلفه جعله مقدمة لمعجم واسع وسمه باللامع المعلم العجاب المجامع بين المحكم والعباب يجيء في ستين سفرا كما أشار إلى ذلك مؤلفه في خطبة القاموس، ولشهرة القاموس أخذ كثير من مؤلفي المعاجم ولا سيما الأعاجم منهم يطلقون هذا الاسم على كل ما يؤلف في اللغة من الأسفار حتى صار اسم القاموس عندهم مرادفا لكلمة المعجم، ولبعد صيته كثرت عليه الشروح والحواشي والتعاليق وأحاطه النقاد من كل جانب فأكثروا من القول فيه له أو عليه، ولم يزل الأمر بين الأخذ والرد إلى أن جاء أبو الفيض السيد مرتضى الزبيدي الحسني المتوفى سنة 1205ه فألف كتابه الجليل الذي وسمه باسم «تاج العروس في شرح القاموس»، جمع فيه زبدة ما في معاجم اللغة المعتبرة من الألفاظ بأسلوب سهل وعبارة واضحة، وكتابه هذا يعتبر آخر ما ألف في هذا العلم من المعاجم الموثوق بها والمعتمد عليها، وقد طبع فجاء في عشرة أسفار ضخام.
هذا وقد ألف جماعة من المعاصرين معاجم أفرغوا جهدهم في تسهيل مواردها على المراجعين، ولكن مادتهم اللغوية قصرت بهم عن الوصول بهذه المعاجم إلى الدرجة التي تكون فيها موضع الثقة والاعتماد عند المحققين من اللغويين لهذا العهد، وهذه المعاجم معروفة متداولة لا حاجة بنا إلى التوسع في شأنها.
هذا وقد كنا ذكرنا أن من المعاجم ما هو عام في جميع أبواب اللغة كالصحاح والقاموس، ومنها ما هو خاص في موضوع كغريب القرآن والحديث، ومثلثات الكلام، والأضداد وغيرها، ولما كان للقرآن الكريم والكلام النبوي المكان الأسمى في إنهاض اللغة والرفع من شأنها رأينا أن نلم بتاريخ هذين الفرعين على سبيل الإجمال. (12) مفردات القرآن
ولا نقول غريب القرآن لأن مدارسة القرآن على ألسن الملايين من الناس منذ بدء الوحي إلى هذا العهد أخذت على الغرابة مجامع السبل فلم تجد إليه سبيلا، ولا نجد لفظة من ألفاظه غير مألوفة الاستعمال ومعروفة المعنى واضحة المغزى، وهل الغرابة في الألفاظ إلا كونها غير أليفة فيحتاج إلى معرفتها إلى التنقير عنها في مطاوي المعاجم المبسوطة؟ وقديما عدوا الغرابة من عيوب الفصاحة فأنى لنا أن نلصقها ببعض ألفاظ القرآن وقد أجمع الأولون والآخرون على أنه أفصح كلام عرفته اللغة العربية منذ كانت في المهد إلى هذا العهد؟
هذا، ولسنا بحاجة إلى بيان ما للقرآن من اليد المشكورة والفضائل المذكورة على لغة العرب لأن هذا من أوائل البديهيات، فلقد كان القرآن ولا يزال المعين الفياض لعلماء اللسان يردونه ظماء ويصدرون عنه رواء، ومن ثم توافروا على ضبط مفرداته وتحرير لغاته واستقصاء حقائقه ومجازاته وتصاريحه وكناياته ودقائقه ونكاته، وذلك لأن الناحية اللسانية هي أول ما يستقبل طالب علوم القرآن من القرآن، ولهذا رأينا علماء الدين وطلاب اليقين يسيرون في هذه الناحية إلى جنب علماء اللغة كتفا لكتف فأسفر هذا التآزر عن أحسن النتائج وأعظم الفوائد، ولا نذيع سرا إذا قلنا إن مفردات القرآن كتراكيبه هي لب لباب كلام العرب وصفوة الصفوة منه، وأنها معتصم المتأدبين ومرجع العلماء المحققين بل مثابة أمراء القول من المتقدمين والمتأخرين، ولله شيخ المعرة حيث يقول في عرض كلام له في رسالة الغفران: «أجمع ملحد ومهتدي وناكب عن المحجة ومقتدي أن هذا الكتاب الذي جاء به محمد
صلى الله عليه وسلم
Unknown page